حضور حاشد ومناقبيات الإمام ضمن الذكرى التاسعة لرحيلة بأم الحمام

الإمام الشيرازي المربي والمعلم لأخلاق العمل الديني

شبكة أم الحمام شرف الهاشم

ضمن ندوة "الإمام الشيرازي مدرسة مناقبية"، المقامة في حسينية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بأم الحمام، شارك سماحة الشيخ جعفر جعفر الداوود بورقة بعنوان: "أخلاقيات العمل الاسلامي في منهج الامام الشيرازي"، والكاتب والإعلامي حسن آل حمادة بورقة بعنوان: "الإمام الشيرازي في مشروعه التربوي"، وسط جمهور حاشد حضره علماء ومثقفين.

وفي مستهل ورقته تحدث الشيخ الداوود عن دوائر رسمتها تعاليم الشريعة هي بمثابة الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها أنّى كانت هوية العدو، فالمواجهة لا ترفع الضوابط الإنسانية، والتصدي دفاعا أو هجوما لا يغيّب المعايير الأخلاقية  وأستشهد بسيرة النبي في حروبه وغزواته، نجد تأكيدا منه على عدم توسيع رقعة الحرب، وأن النساء والأطفال والشيوخ هم بمنأى عن المعركة . الذكرى التاسعة لرحيل الإمام الشيرازي بأم الحمام

فلقد روي عن الإمام الصادق  قال: "إن رسول الله  كان إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم، فأجلسهم بين يديه، ثم قال لهم: سيروا باسم الله وبالله وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، لاتغلوا، ولاتمثلوا، ولاتغدروا، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا صبيا ولا إمرأة، ولا تقطعوا شجرا، إلا أن تضطروا إليها، وأيّما رجل من المسلمين أو أفضلهم نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتى يسمع كلام الله، فإن تبعكم فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه واستعينوا بالله عليه. " [1] 

ثم تحدث الشيخ الداوود عن أخلاقيات العمل الإسلامي في منهج الإمام الشيرازي في جهتين:

1- البعد الذاتي: اذ كان متميزاً متألقاً في عطاءاته، في جهاده ونضاله، في سعة علمه ومعارفه، في تصنيفاته وتأليفاته، في تواضعه وأخلاقه.
والأمر الذي ينبغي الوقوف عليه هو عدم اكتراثه بالحملات البغيضة المكثفة التي وجهت ضده، وكانت تستهدف اغتيال شخصيته، وتنفير المتحلفين حوله، وصرف الأنظار عنه، فاستخدمت ضده كلّ الأساليب والوسائل الرامية إلى تسقيطه وتوهينه، وإقصائه عن المشهد الإجتماعي الذي تألق نجمه في سمائه ، فمن الأوراق الصفراء والشائعات الكاذبة والتشكيك باجتهاده، والقدح في مرجعيته، في المقابل، وأمام هذا الكم الهائل من الثلب والقدح في شخصيته تساءل الشيخ كيف كانت ردود فعله «قده» .

ويتبادر إلى أذهاننا أن أول إجراء يقول به من كان في موقعه ومقامه أن يزيل الركام العالق في الساحة والمتراكم في الأذهان، فيستنفر المؤسسات الاجتماعية والإعلامية لتقوم بصناعة الإعلام المضاد، او أن يلجئ إلى لغة التهديد والوعيد وكشف الأوراق وفتح الملفات، أو ينحى منحى المسوقين والملمعين لشخصيته.

بيد أن كل هذا لم يحدث لدى الشيرازي ولدى مؤسساته فلم نسمع أنه استنهض تياره وخطه ومؤسساته المتنوعة في كل مكان لتنتصر له دفاعا أو هجوما، بل أرتاى وارتمى في دائرة اللا فعل التي هي فرع من نظريته المشهورة «اللاعنف»، فهو يرى الأولوية في تطبيقها على المناوئين له ولخطه قبل تطبيقها على أعداء الأمة والدين.

وبهذا الخلق الرفيع الممزوج بالوعي والصبر والحكمة، حير الإمام الشيرازي الألباب في تصبره وتجلده أمام العواصف التي كانت ترمي إلى زلزلة كيانه المعنوي والعملي على حد سواء.الذكرى التاسعة لرحيل الإمام الشيرازي بأم الحمام

ومع قول العاصفة إلا أنه لم ينحن أمامها، فلم يلن ولم يستكن، ولم ينفعل ولم يضطرب، لم يتراجع عن تحقيق أهدافه وطموحاته، ولم توقف طوفان همته ونشاطه، بل قرر وصمم على ألا يجعل لذرات العاصفة مكانا في ذهنه أو نفسه فينشغل بها، وحياته كانت شاهدا على ذلك حيث يفد على داره المتواضعة الزائرون وبعضهم قد أخذه وهج الانفعال والتأثر لما يسمع من ترهات وسخافات من هنا وهناك، فيأتي ويعرض بضاعة القول والفعل الرخيص، إنهم قالوا، إنهم فعلوا، فيقابله ببسمة «لايهم»، ثم يحول بوصلة الحديث إلى شأن آخر يهم الزائر أوالمستنكر، ينصحه ويقترح عليه مشروعا يتناسب مع وظيفته وتخصصه وهكذا كان نهجه وديدنه إلى أن توفاه الله «عليه الرحمة».

وعلى كثرة تأليفاته وتصنيفاته في مختلف العلوم والمعارف الإسلامية، لم تحتو ورقة واحدة ينتصر فيها لنفسه بل كان همه الواجب أن ينتصر للدين وأن يخدم الأمة.

وكان يدرك بأنه لو اشتغل أو تشاغل بالردود والدفاع عن نفسه وعن خطه، فسوف يجد أن الزمن قد استبقه وبالتالي تضيع الفرص وتضعف الهمة وتتشتت الغايات. وجملة لطيفة التقطتها من كتاب الاستاذ الدكتور محمد حسين علي الصغير في كتابه السيد محمد مهدي الشيرازي موضوعيا ص 10يقول «ولم اسمعه طيلة صلتي به متناولا لأحد بسوء قط، يحمل على الظاهر، ويجري أصالة الصحة، وهو لا يقابل أعداءه ومناوئيه بمثل مقابلتهم له، بل العفو والصفح الجميل من أبرز ملامحه في التعامل، يكل أمرهم إلى الله تعالى، ويدعهم لتأنيب الضمير، فهناك من يثلبه ثلبا لا ورع معه، وهناك من يشتمه جهارا، وقد يشكك بعضهم باجتهاده، وقد يطعن باستقلاله الفكري، وقد ينسبه إلى ماهو برئ منه، ولكنه لا يعبأ بمثل هذه الأقاويل، فله عن ذلك شغل بتطلعاته الريادية، وليس على الهراء سبيل لديه، فهو ارفع جانباً، واعلى لعباً، واسمى عقليةً.

كان السيد الشيرازي طاب ثراه قد تعرّض في حياته الى حقدِ الحاقدين، واستُهدف من قِبل نفر ضال، وكان الشططُ والبهتانُ والتزويرُ من معالمِ الحملةِ الظالمةِ التي واجهها بقلبٍ سليم، وشقّ غبارَها بعزمٍ ثابتٍ وشجاعةٍ نادرةٍ، فكان مظلوما من قبل هؤلاء، وكان ظلمُه هذا ظلماً فئوياًرمتعمداً، ولم يكن ظلماً اجتماعياً، فقد كان يمثّل الصدارة في نظرِ المجتمع السليم، وكان يتبوأ مقعد الصدق عند جمهرةِ المثقفين، وكان يحظى بتأييدٍ شعبي منقطعِ النظير»

- انتهى كلامه -

ثم تطرق سماحته إلى أزمة المتدينين في تغييب اخلاقيات العمل والقفزَ على ضوابطِ التنافس وكيف أنها ظاهرةٌ مرضيّة تنبئُ عن أزمةٍ داخليةٍ في السلوك وفي التديّن.

ومن تجليات هذه الازمة الداخلية:

1- الخللُ في نظام التفكير.. وتتمثّلُ في خلطِ الأوراقِ دون تمييز بين الورقةِ الرابحةِ والورقةِ الخاسرةِ، ومن هو العدو ومن هو الصديق؟

وهي ازمةٌ يفتقرُ صاحبُها المعايير العقلية، والضوابطَ الشرعية والاخلاقية. فالمثال الذي يتجلّى على الواقع الاجتماعي هو «التنافس».. والسؤال: هل الطرفُ المنافسُ في الدورِ والوظيفةِ يصنّفُ في خانةِ الاعداءِ ام الاصدقاء؟

يبدو أنّ بيانَ الجوابِ يكونُ متوقفاً على توضيح حقيقةِ المصطلحين «العدو - المنافس» ويشير القرآن الكريم الى عناوينَ عريضةٍ تحملُ في طياتها مصاديقَ متعددةٍ في تحديدِ معنى العدو.

أ‌- الشيطان: قال تعالى ﴿ يا أيها الناسُ كلوا مما في الأرضِ حلالا طيباً ولاتتبعوا خُطُواتِ الشيطانِ إنّه لكم عدُوٌ مبين . [2] 

ب‌- الكافرون: قال تعالى ﴿ إنّ الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً . [3] 

ت‌- المنافقون: قال تعالى ﴿ هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنّى يؤفكون . [4] 

فاتضح من الآيات المباركة أنّ العدوَ بأنماطه واقسامه هو الذي يشكّلُ خطراً وضرراً على الإنسان، حيث ينطلقُ من أهدافٍ شريرةٍ يسخرّ فيها كلَّ الوسائلِ الدنيئةِ بغرض الاضرارِ والايذاءِ في الجهة المعنوية والمادية على حدٍ سواء، كما يراهن ُ على زوالِ ديننا وقيمنا وتراثنا. بينما المنافسُ ينبثقُ من ذاتِ الكيانِ والمدرسة التي ننتمي اليها، وهومشروعٌ مماثلٌ يتحرك بالاهدافِ ذاتِها وينطلق من الغايات نفسها، تجمعنا واياه قواسمُ مشتركة بل متعددة فهو شريك في أداءِ الدورِ والوظيفةِ، وينحصر التباين في المنهج او في الاسلوب وكلٌ يعمل على شاكلته او وفق اجتهاده.الذكرى التاسعة لرحيل الإمام الشيرازي بأم الحمام

واشار الشيخ الداوود الى نقطتين هما على قدر من الاهمية:

الاولى: تعددُ الوظائفِ وتنوّع الادوارِ في الساحة الاجتماعية ظاهرةٌ طبيعية، صحيحة إيجابيةٌ، فالجميعُ له حقُّ العملِ وحقُّ التأسيس لأي مشروعٍ يصب في خانةِ خدمةِ الدين والمصلحة الاجتماعية.

الثانية: ميولُ الأفرادِ الى جهةٍ ينبغي أن لايفسرَ بالعداوةِ والبغضِ لغيرهم، وايضاً هي حالة فطرية طبيعية ناتجة عن التباين في الآراءِ والمواقفِ وحتى الأذواق، فالكلُّ له الحريةُ في الاختيارِ والميولِ والانتماءِ والتي هي مفردةٌ من الحريةِ الشخصيةِ للفرد، فلسنا أوصيَاءعلى عقولِ وميولِ الناسِ النفسية.

ثم تطرق سماحته إلى الجانب الأخر وهي :

2- الازمة الاخلاقية.. يؤكّد الامام الشيرازي على ضرورةِ ونزاهةِ القائمين والمتصدين للعمل الاسلامي والمتصدرين للمشهدِ الاجتماعي، فيذكرُ في كتابه السبيل الى نهاض المسلمين: «يجب أن يكون القائمون بالحركة نزيهين لساناً، قلباً أذناً عيناً، يداً، جنسا ً، مالاً، أهلاً، وغيرَ ذلك لأنّ الإسلام بناءٌ متكامل» ويقول «الحركة الإسلامية، فإنها حركةٌ طاهرةٌ، نزيهةٌ، شريفةٌ، طيبةٌ، ويجب أن يتصفَ القائمون بها بالنزاهةِ الكاملةِ والطهارة الشاملةِ، وقد جعل اللهُ سبحانه قادةَ الإسلام أفراداً معصومين، وكذا قادةَ جميع الديان السماوية» - انتهى كلامه -

ومن ملامح النزاهة: التقيّد والإلتزام بأخلاقيات العمل، بأخلاقيات التنافس.. ومنها احترام الآخرين، واحترام الرأي والموقفِ والمشروعِ، احترامُ الرموزوالشخصيات. إنّ النزاهةَ تملي علينا بأن نقبلَ بتعددِ الآراء وتنوعِ الأدوار، أن نقبلَ بتعددِ المرجعيات، وقبول قناعات الآخرين دون تسفيهٍ أو ازدراء.

وقال الداوود إن النزاهة تحثنا كطلابِ علمٍ، علماء، خطباء، كتاب، وجهاء، اعلاميين، ناشطين.. بأن نهّذب أنفسنا ونشذّب سلوكنا ونطهرَ ذواتنا من رذائل الأخلاق.. من الغيرةِ، والحسدِ، والتحاملِ، والعجبِ، الغرورِ، التكبر، الازدراء، ادعاء الأفضلية.

مسؤوليتنا الشرعية والأخلاقية تدعونا إلى مجانبة توهين الغير وتسقيطه، فالتسقيط والإقصاء والاتهام جريمةٌ كبرى لاتقلُّ فظاعةً وشناعةً عن جرائم القتل المتعمد، فإنّهما في الجريمةِ والأثرِ سيان، فتلك اغتيالُ جسدٍ والأخرى اغتيالُ شخصية!

وفي أخر ورقته قال الشيخ الداوود : تبقى القيمةُ الأخلاقيةُ سيدةَ القولِ والموقفِ، فهي الاطارُ الواقي الذي يقي الحركةَ الفاعلة أو الجماعة الناشطةَ من التآكل الداخلي المؤدّي إلى التهالك، بل هي التي تمنحُ المصداقيةَ لأفرادِها ورجالاتِها، إذ يخطأ من يظنُّ أنّ مصداقيةَ مشروعية بمقدار مايتضمن عناوين عملية متكثرة، وبجانب الصواب من يحسب أن مشروعه ناجح لكونه مستندا على نظريات واطروحات علمية دقيقة، فلا قيمة لكل منهما مالم يلتصق المنهج العملي بالقيم والمبادئ والأخلاق.الذكرى التاسعة لرحيل الإمام الشيرازي بأم الحمام

وادل دليل على ذلك ما شهدته ساحتنا من أحداث وتموجات اجتماعية ساخنة ازالت النقاب عن مواطن الضعف والخلل وانسحب على اغلب الأطياف والمكونات الاجتماعية إلا ما رحم ربي، حيث غيّب العقل وعلت صيحات التهريج في المحافل الدينية، وارتفعت رايات التعريض والتسقيط، وفشا التجريح، وتتالت البيانات مشفوعة بالمقالات المشككة بالنوايا.

فإزاء هذه الهزة الاجتماعية التي احدثت شرخا بل شروخا في جدار الكيان الدخلي الواحد، فاننا بأمس الحاجة للإقتراب من مناهج التربية الروحية والأخلاقية وهي ضرورة للصغير والكبير للعالم قبل الجاهل وللناشط قبل المتقاعس والمتكاسل.

آن الأوان لنفعل هذا البعد المغيب في منهجنا العملي ليشمل جميع المؤسسات الدينية والاجتماعية والخيرية، كما ينبغي التأكيد على الحوزات العلمية أن توجد البرنامج والمنهج الأخلاقي ليتلقاه الطالب كما يتلقى دروس الفقه والأصول.

ولذا قيل من السهل أن يكون المرء عالما ولكن من الصعب أن يكون انسانا.

وجدير بالذكر هنا أن الشيخ جعفرالداوود هو امام جماعة مسجد الرسول الاعظم بسيهات .الذكرى التاسعة لرحيل الإمام الشيرازي بأم الحمام

من جانبه شارك آل حمادة بورقته عن التكوين التربوي والتعليمي للإمام الشيرازي مبينًا أنه تلقى معارفه ومهاراته وسلوكياته المناقبية عبر ثلاثة أساليب، هي: التعليم النظامي، والتلقائي، وغير الرسمي. وساعد ذلك في تأهيله ليحظى بمكانته الرائدة في عالم المرجعية الدينية والزعامة الروحية. فقد تعلم تعليمًا نظاميًا في الحوزة على يد كبار أساتذتها، إذ تتلمذ على يد أكثر من 100 أستاذًا في مختلف المعارف والعلوم، كما تعلّم تعليمًا تلقائيًا، وتعليمًا غير نظامي، من خلال حضوره مجالس العلماء برفقة والده المرجع الديني الكبير السيد مهدي الشيرازي، وتلقى المعارف أيضًا عبر المنبر الحسيني، وقد سجل هذه اللقطة في كتابه: "عشت في كربلاء"، قائلاً: كنت مولعًا بالحضور في المجالس الحسينية... ولعلي لا أكون مبالغًا إذا قلت: إن معدل المجالس التي كنت أحضرها كل سنة، يقرب من ألف مجلس.

وحين نرجع بذاكرة الزمن لطفولة الإمام الشيرازي الذي عاش تسعًا منها في النجف الأشرف، قبل أن ينتقل مع والده إلى كربلاء وهو في التاسعة من عمره، سنذهل حين نسمعه يقول: "وقد وفقت في أيام طفولتي لأن أكون إمامًا للأطفال وذلك في الأيام التي كنت أذهب لتعلّم القراءة والكتابة، والقرآن والحديث في صحن الإمام الحسين (عليه السلام)". الذكرى التاسعة لرحيل الإمام الشيرازي بأم الحمام

ولا غرابة أن يؤم الإمام الشيرازي الأطفال منذ حداثة سنه، فهو قد تربى على يد مرجعية فذّة، أخذت بيده خطوة خطوة، وكان يتبعها إتباع الفصيل أثر أمه، حتى وصل إلى ما وصل إليه، ودعونا نستمع لأسلوب من أساليب والده في تربيته وتنشئته، يقول السيّد: كان والدي (رحمه الله) ينقل عن ذكريات صغره: أن والدته (رحمها الله) كانت تعتني بتربيته وتأديبه غاية الاعتناء وقد كانت إذا قامت لصلاة الليل والتهجد فيه أيقظته معها، واصطحبته إلى مصلاها وأقعدته إلى جنبها وكانت توصيه بالانتباه إليها وعدم النوم والغفلة.

وبلا شك فإن هذه القصص والتوجيهات التي يسمعها من والده، هي أسلوب تربوي محبذ وممدوح، وهو ما يعرف بالتربية بالقدوة، لتكون سلوكًا يمارسه الإمام الشيرازي في حياته فيما بعد.

وفي جانب آخر قال آل حمادة: لا يخفى أن الإمام الشيرازي سعى وهو يؤسس لمشروعه التربوي في الأمة؛ بجديَّة ليعمل على بعث مجتمع يتقدم نحو الكمال، لذا وضع الأسس التي من شأنها تحقيق هذا المطلب؛ فبناء الأمة الواحدة المقتدرة التي طالما دعا لها في خطابه، بحاجة لمقومات عدَّة، ولعلّ أهمها، بناء إنسان هذه الأمة؛ بناءً يُعنى بالروح والعقل معًا.
 
ويشترط الإمام الشيرازي أن نبدأ من أنفسنا؛ فالتجديد يبدأ من نفس الإنسان، فإنه إذا لم يصلح الإنسان نفسه لا يمكنه إصلاح غيره من بني نوعه أو المحيط المتعلق به. لذا وجدنا الإمام الشيرازي يركِّز في مشروعه من أجل بناء الإنسان على منهجيتي: التزكية والتعليم، أو التعليم والتزكية، وهي منهجية القرآن، "لذا نرى القرآن الحكيم تارة يقدم "يزكيهم" على "يعلّمهم" وأخرى بالعكس".
 
وفصل آل حمادة القول في هذه النقطة، وقال في هذا الصدد: لذا لا غرابة حين نجد أن (الكتاب) يأخذ دورًا محوريًا عند الإمام الشيرازي وهو يكدح في  تربية الأمة. فالكتاب كفيل ببناء الأمة واستنهاضها، إذ إننا نقطع بأن الكتاب هو المتكأ الأهم لصنع وتعميق الأسس الثابتة والرصينة؛ لتحقيق الانطلاقة الرشيدة في واقعنا، وهو الوسيلة التي تجلّي الفلسفة الصحيحة لهذه الغاية.

ولأجل تربية الأمة وإصلاحها طالب الإمام الشيرازي بتشكيل (التيار الإصلاحي)، وعمل ما بوسعه لبث الوعي في الأمة؛ عبر مؤلفاته التي ناهزت الألف كتاب، وطلابه الذين انتشروا في الآفاق، ومؤسساته التي أسسها في معظم الدول التي وصلت إليها يده، لكي تتبوأ الأمة الإسلامية، مكانة تليق بها بين الأمم.
الذكرى التاسعة لرحيل الإمام الشيرازي بأم الحمام 
وذكر آل حمادة أن أسلوب الإمام الشيرازي التربوي اعتمد منهجية الهدم ثم البناء، بل إنه يتدارك الأمر قبل استفحاله: ولعلَّ المتتبع للإصدارات المتتالية لسماحته، يلحظ عنايته الفائقة وتحسسه المستمرين للمشاكل والأزمات التي تواجه الأمة الإسلامية، فقبل أن تنتشر الصحون الفضائية في الدول العربية والإسلامية انتشار النار في الهشيم؛ بادر الإمام الشيرازي بكتابة كرَّاسه المُتعقل: «الأفلام المفسدة في الأقمار الصناعية: وقايةً وعلاجاً»، وعندما وقع بعض العرب اتفاقية الصلح بينهم وبين الكيان الصهيوني الغاصب في يوم: 20جمادى الأولى سنة 1415هـ، بادر سماحته في نفس اليوم بكتابة كرَّاسه المعنون بـ«هل سيبقى الصلح بين العرب وإسرائيل؟» وهو تبعاً لذلك راح يسطر الكتاب تلو الكتاب، والكرَّاس تلو الكرَّاس؛ ليسهم بكتاباته المتنوعة والغزيرة؛ للعمل على إنقاذ المسلمين من واقع البؤس والشقاء؛ وليقدَّم من خلال أطروحاته الواعية العلاج الملائم للمشاكل التي تعصف بالمجتمع الإسلامي".

وفيما يخص استفادة الإمام الشيرازي من تجارب الآخرين، ذكر المحاضر جملة من المواقف المؤيدة لمقولته، قبل أن يتحدث عن نجاح الإمام الشيرازي في مخاطب كل فئة بلغتها، فقد كتب كتبًا تخاطب الجميع، بدءًا من المراحل التعليمية الأولى، حتى مرحلة البحث الخارج، بل كتب كتبًا تخاطب الأطفال واليافعين، ومن الطريف في كتابات سماحته أنه كتب كتابًا بعنوان: "المنصورية في النحو والصرف"، وقد اشتق عنوانه من اسم رفيقة دربه وزوجته المصون (منصورة)؛ ليعلّمها النحو والصرف، وهو كتاب في 224 صفحة!
 
كما تطرّق آل حمادة لاستخدام الإمام الشيرازي الأسلوب القصصي في العديد من كتاباته؛ لأنه يعلم أن للقِصّة تأثيرها الكبير في النفوس، إذ يرى أن «الثقافة تصنع المعاجز»، وإذا قلنا بأن القِصّة = ثقافة، فحق لنا القول بأن: القِصّة تصنع المعاجز! الذكرى التاسعة لرحيل الإمام الشيرازي بأم الحمام

وتحدّث آل حمادة في جانب آخر من ورقته عن "الموائمة بين الأقوال والأفعال" عند الإمام الشيرازي، ومن الأمثلة في هذا الجانب أن الإمام الشيرازي، مع تأسيسه لمدارس تحفيظ القرآن الكريم قد حفظ القرآن الكريم أولاً؛ قبل أن يدعو الملتحقين لحفظه! ليكون صادقًا مع نفسه في دعواه.
 
ومن المحطات الجميلة التي توقف عندها آل حمادة هي تأكيده على أن الإمام الشيرازي يطالب الأمة بنقده، وبنقد المؤسسة المرجعية! وفي ذلك يقول: "ليس هناك من لا يخطأ، إلاّ المعصوم عليه السلام، فالبشر موصوفٌ بالخطأ، وحتى لو تسامى الإنسان في الملكات الرفيعة وفي الأخلاق السامية، فإنه عرضة للخطأ. فكان لا بدّ للمرجع أن يصغي بنفسه إلى جميع ما يوجه إليه من النقد، سواءٌ كان هذا النقد يستهدفه أو يستهدف جهازه من الوكلاء والخطباء والمؤلفين.. فالإصغاء المستمر إلى النقد، ومحاولة تفادي بعض الأخطاء التي يمكن تفاديها، يوجب إصلاح المرجع وإصلاح جهازه". لذا قال آل حمادة: إن النقد الموضوعي لطلبة العلوم الدينية أضعف الإيمان!

وتطرق المحاضر لنقاط عدة، منها حديثه عن تربية الإمام الشيرازي للناس تربية نفسية تريهم أن الحق للآخرين كما أن الحق لأنفسهم، وتأكيده على أهمية إخراج المسبقات، من ذهن المتحاور، فلا يزعم إن كلّ الحق معه، وعدوّه على باطل تمامًا. وفي الحين نفسه أكد أن الوحدة لا تعني أن ترفع جماعة يدها عن معتقدها، أو لا تستعد للدفاع عنها، بل معناها أن يكون المسلمون صفًا واحدًا أمام الشرق والغرب.

وعن انفتاح الإمام الشيرازي المعرفي الرشيد، قال آل حمادة "إن الإمام الشيرازي قرأ -كما أشار في كتبه- بعض روايات (أغاثا كريستي)".. فهل يوجد انفتاح كهذا؟الذكرى التاسعة لرحيل الإمام الشيرازي بأم الحمام

وتطرق آل حمادة لقاعدة (القطرات والذرّات) عند الإمام الشيرازي، وقال إن أبلغ ما أكده عمليًا؛ ليؤكد فكرته هذه، هو موسوعته الفقهية الشهيرة التي ناهزت 160 مجلدًا، فقد كتبها في حدود خمسين عامًا [1372-1422هـ]، ليعطينا درسًا بليغًا في هذا الشأن! فضلاً عن مجموع كتبه التي تعدّت الألف كتاب! وهنا يقدِّم لنا الإمام الشيرازي درسًا في الهمة العالية أيضًا، و"العمل الدائم"، وهي الفكرة التي سطرّها في كتابه: "نحو يقظة إسلامية"، حين قال: من اللازم على من يريد العمل للإسلام أن يهيئ نفسه للعمل الدائم، الذي لا يعرف الكلل والوقوف.

جدير بالذكر للكاتب حسن آل حمادة كتابين كتبهما حول الإمام الشيرازي، صدر الأول منهما في حياة الراحل في طبعتين عام 1421هـ، وهو بعنوان: الكتاب في فكر الإمام الشيرازي. والثاني بعنوان: هكذا ربّانا الإمام الشيرازي، صدر في طبعتين أيضًا عام 1424هـ.

وشارك سماحة الشيخ سعيد الحرز بمداخلة أثرت جو الندوة بالنقاش كما شارك سماحة الشيخ عبدالغني العباس بمداخلة كان لها طابع المقترح والأفكار لإتمام مسيرة المرجع الراحل كما شارك الأستاذ أبو فايز الزاير بسأل عن الحالة التي تعرض لها المرجع الشيرازي من إقصاء وحرب من قبل البض و أثرها في مسيرتها العكسية .

وشارك في ختام الندوة الرادود الحسيني منتظر الصويلح بمرثية بالمناسبة أشجى بها مشاعر الحضور.

[1]  الصياغة الجديدة / الامام الشيرازي
[2]  البقرة 168
[3]  النساء 101
[4]  المنافقون 4
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
أبو ميثم الكعيبي
[ أم الحمام - القطيف ]: 11 / 10 / 2010م - 8:32 م
بوركت أيادي الأحبة في لجنة الذكرى التي آلت على نفسها وللسنة التاسعة على التوالي إلا أن تقام سنوية هذا المرجع العظيم الذي كان بمنزلة الأب والمعلم والمربي.

كانت الندوة من الندوات الجميلة الموفقة التي تحدثت عن جوانب أساسية في شخصية الإمام الشيرازي(قد) خاصة أخلاقياته مع منافسيه وأعداءه بالإضافة للجانب التربوي الذي كان يتبعه السيد في تربية أبناءه وطلابه.

نسأل الله أن يتغمده برحمته,وأن ينفعنا بعلمه .