قراءة و رؤية : الموت كمادة خام و كمادة صناعية


 
الأستاذ فاضل الشعلة يقول :

هناك من يصنع الحدث و هناك من يصنعه الحدث ، و شتان بين الصانع و المصنوع !

و أقول :

إن اعتبرنا الصنع هو الجباية المحسوسة لشغل مناط بيد باذلة الثمن المُحدِثُ شغلاً ، فإننا نقرر وضع الصنع كنتيجة أنشأتها أسباب ، فعدم العلم لا يثبت العدم ، إنما العدم ينفيه الوجود ، و الوجود قطعاً لا يوجد لعدم ، ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [ المؤمنون : 11 ]

فمن ( يصنعُ الحدثَ ) قد يبذلُ سبباً و قد يمارس نتيجة ، أما ( من يصنعهُ الحدثُ ) فهو قطعاً في الجانب الناتج لا في الجانب المسبب ، فالحدث هو المشهد الممكن قراءته كفعل - حين ابتداء - و كردة فعل - حين عقبى بعد ابتدار - و ذلك حسب الطقوس الحركية المعبرة عن ذاتية المشهد و طبيعة توجه العناصر المكونة له ، و ذلك يعين – في مجمله - على قراءة المُشَاهَد ، و تحديد ماهية التموضع - أعفواً جاء أم رغماً - و أخيراً ، إبانة صريحة للمقدار الزمني الممتد قبل بدء الحدث بما فيه من مفعّل و معطل و
التراكم اللاحق استئناف الحدث إثر كمية المعطى و كيفية التعاطي

فالموتُ يصنعُ فقدان ( حدث ) كما أنه يصنعُ فاقدين ( صنَّعَهم الحدث ) ، يصنع وعي ( حدث ) و يصنع واعية ( صنَّعهم الحدث ) ، و هكذا دواليك لأي مؤثر يتبعه أثر أو يستجلبه أُثر ، فالموت الخام – الابتداء - كالشهيد الأول الذي يمنح المطلب مساره المطلوب ، أما الصناعي – المتبع - هو كسلسلة الشهداء التالية أول شهيد ، و كل ذلك من عند الله ، بمشيئته و تدبيره  و نظر منه ، ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ [ إبراهيم : 42 ]

فقط ينبغي أن ندرك حجم الفعل الناتج إن أفعَلْنَاهُ أو أُفعِلَ بنا ، فأن تكونَ فاعلاً للحدث غير أن تكونَ مفعولاً بالحدث ، و لو كنتَ أمراً واحداً ، فالإرادة غير الإرغام ، و الاستحكام يفك الإحكام ، و الفطرة الخام متى ما قابلت بيئة عايشتها حين عدل و جابهتها حين ظلامة و مع التأييد و التنديد نخرج بصناعة مستحقة الثمن المدفوع و الحق المنزوع

فلا تنتظر ممن أكبت في نفسه فورانها سد الفوهة حين تتعمد فك السدادة ، فالذي يبذلُ جهداً كي يهدأ لن يرضى أن يُهدرَ جهدهُ ، لن يقبل بالإزعاج المفروض و الاستفزاز المتعمد ، و الذي ما يصنعُ حدثاً ليس بعاجز ، إنما ينتظر أن يصير مصنوعاً بيد حدث ، حيث الحجة أكثر قوة و إقحام و أعنف في الرد و الإفحام