الحرية(2): "حدود الحرية" ميزان العدالة الاجتماعية

 

 

 

حدود الحرية الشخصية:

لا يوجد شيء اسمه حرية مطلقة، فالمتحررون و المدافعون عن (الحرية) يتفقون بحدود تلك الحرية، و قد تكون تلك الحدود المفروضة إرادية كالقوانين التي تنظم مسيرة الحياة، و قد تكون (لا إرادية) كالقضاء و القدر الغيبي.

و قد أختلف الحكماء و المشرعة في الحدود الإرادية، و الاختلاف قد يكون مُنطلقهُ في كيفية فهم و تحديد مفهوم الحرية.

و لكن تبقى القاعدة الشهيرة التي عادة ما يُستشهد بها عند (حدود الحرية) هي:"عدم التعدي على حرية الآخرين".

 و لكن تبقى هذه القاعدة لا تحدد المعايير الحاكمة في تحديد تلك الحدود للحرية، و التي يُخشى بها من ضياع القيمة الحقيقية للحرية و تهميشها، و على هذا الضوء افترض بعض دعاة الحرية في الغرب لضرورة وضع (حد أدنى) للحرية، يكون هذا الحد بمثابة خط أحمر لا يمكن قبول تجاوزه لأي سبب من الأسباب، و في اعتقادي بأن الحد الأدنى هذا يجب أن يكون (الكرامة الإنسانية) لكونها أصل الخلقة الإنسانية التي لا يمكن تجاوزها و تعديها.

لهذا اتفق العقلاء على ضرورة القانون والنظام العام و العادل لأنه شرط لسلامة الحياة الاجتماعية و الكرامة الإنسانية. فمن دون الحرية سيكون الإنسان عبدا أو شبه عبد، ومن دون القانون العادل سيكون المجتمع غابة أو شبه غابة يأكل القوي فيها الضعيف.

بطبيعة الحال لا يمكن التمتع بالحرية ما لم يكن ثمة قانون عادل يحمي ممارستها. كما لا يمكن تصور حرية من دون قانون عادل يضع حدودا لما هو مقبول وما هو ممنوع، لأن الحرية المطلقة تعني أيضا حرية الإنسان في أن يخترق مساحات الآخرين، وربما تقود إلى فوضى اجتماعية، تضيع معها فائدة الحرية، ويستأثر بها الأقوياء على حساب الضعفاء. المبرر الوحيد لهذا التقييد هو العدالة، فالبديهي أن الحرية حق متساو لجميع الأفراد، وتقتضي العدالة أن يتمتع كل فرد بنفس القدر الذي يتمتع به غيره، وهذا يؤدي بالضرورة إلى تقييده.

يقول ايزايا برلين في كتابه (حدود الحرية) "أستطيع القول كما قال الناقد الروسي "بيلينسكي"، بأنه لو حُرم الآخرون من الحرية، وإذا بقى إخوتي مقيدين و في حالة فقر وفساد، فلا أريد الحرية لنفسي، أرفضها رفضاً باتاً، مفضلاً مقاسمة إخوتي قَدَرَهُم إلى ما لا نهاية. ولكن لا فائدة من اختلاط المصطلحات والكلمات، ومن أجل تفادي اللامساواة والتعاسة فإنني على استعداد للتضحية بحريتي أو بجزء منها من أجل العدالة والمساواة، وبسبب حبي لرفاقي وأبناء جنسي . وعليّ أن أشعر بالذنب وعذاب الضمير، لو أني لا أبدى استعداداً لهذه التضحية إذا ما استوجب ذلك".

حرية الأفراد في الدستور الإسلامي :

يقول الشيخ عبد الغني العباس[1] في كتابه (تطلع الأمة):

إن التشريعات السماوية تسعي نحو تحقيق أهداف عظيمة من اجل صيانة العقيدة وحفظ الروح والعرض والمال . والتسلسل الطبيعي يبدأ بالتوحيد وتنبثق منة عدة ثمار منها الاستقلال والأمن والحرية .

إن الإسلام يضمن حرية الفرد عبر الحديث عن الحرمة، هذه المفردة التي تتكرر كثير في آيات الذكر الحكيم، دستور معالم الحضارة الإسلامية، وفي الأحكام الفقهية الأخرى. والحرمة كما يري السيد المدرسي[2] بعد من أبعاد الحرية ، ذلك لان الحرمة والحرية صورتان لبصيرة واحدة . والإسلام قبل أن يتحدث عن الحرية تحدث أولا عن الحرمة لتحديد قيمة الحرية وأبعادها وتطبيقاتها. فمثلا يقول الإسلام :﴿إن المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه .

هذا الحديث يؤكد في البداية علي حرمة التجاوزات علي حقوق الإنسان المسلم، حتى لو كانت تحت شعار الحرية . لماذا؟ لان هذه التجاوزات تتنافر في حقيقتها مع مفهوم الحرية، باعتبار أن لكل حرية حدود، وحدود حرية كل فرد وكل تجمع تنتهي عند بداية حدود الآخرين . فالإنسان له الحق في طلب حريته، ولكن بشرط أن لا تتعدي ولا تتجاوز على حرية الآخرين .

[1] عالم دين و باحث إسلامي، من مدينة القطيف شرق السعودية، له عدة مؤلفات، منها كتاب (تطلع أمة... دراسة فكرية لسيرة و فكر سماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي(دام ظله)).
[2] يعني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي(دام ظله)، مرجع عراقي، صاحب تفسير (من هدى القرآن).