فلنختلف بحب

لا زلنا في المجتمعات العربية ننظر للاختلاف على أنه أمر سيء، كأننا من حيث لا ندري نردد مقولة بوش الحمقاء: من ليس معنا فهو ضدنا. نبحث دائما عن الأكثر تطابقا معنا، ولا نجهد أنفسنا في التعرف على الآخر المختلف، عسى أن نجد فيه ما هو مفقود لدينا. وبرغم أننا نتلو الآية الكريمة: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» والتي تحثنا على التفاعل مع الآخر واكتشافه، فإننا في الواقع العملي بعيدون عن تطبيق مضمونها الشريف.

لم يقتصر هذا على الآخر الديني أو المذهبي أو العرقي، بل امتد ليشمل الآخر المناطقي والقبلي داخل الوطن الواحد، والآخر الفرع مذهبي والفرع جماعتي - إذا صح التعبير - داخل المذهب الواحد والجماعة الواحدة. والحديث حول ذلك طويل ذو شجون، غير إن المعايشة اليومية وما نشاهده من انقسامات وتشظيات بطول المجتمع العربي وعرضه تغني عن ألف مقال ومقال.

وإذا انتقلنا للوحدة الاجتماعية الصغيرة أي الأسرة، فإنها ابتُليت بهذا الداء، حيث أصبح الاختلاف لأتفه الأسباب يؤدي للطلاق والانفصال في حالات كثيرة. هو يريدها أن تتطابق معه، وهي تريده كذلك، ولا يدركان أن الاختلاف سنة طبيعية، وأنه قد يجعلهما أقرب لبعض، إذا غيَّرا نظرتيهما للاختلاف.

تحت عنوان «سحر الاختلافات» يقول د. جون غراي في كتابه «الرجال من المريخ والنساء من الزهرة - كتاب الأيام»: تماما مثل قطبي المغناطيس، الاختلافات بين الناس تجذبهم. عندما يزداد التفهم والإدراك لدينا، يمكننا أن نبدأ في تقدير تلك الاختلافات. إن الاختلافات تصبح مشكلة عندما لا نأخذ الوقت الكافي لكي نتفهم مصداقية تلك الاختلافات، وبدون هذا التفهم فإننا نصبح خائفين ونفترض بشكل خاطئ أن شريك حياتنا مختلف كثيرا، مما قد يمنعنا من الحصول على ما نريده ونحتاج إليه أبدا.

الوحدة في التنوع Unity in Diversity هو شعار اتخذته جنوب أفريقيا بعد أن أنهت نظام الفصل العنصري البغيض الذي كان يصنف السكان على أساس عرقي إلى أربع فئات على رأسها الأقلية البيضاء المكونة من الأوروبيين المهاجرين، والذين أطلقوا على أنفسهم تسمية «الأفريكانر». نجحت جنوب أفريقيا لأنها استطاعت استيعاب الاختلاف، فحولته إلى عنصر ثراء بعد أن كان مشكلة مؤرقة لأكثر من قرن، وتمكنت بالتالي من الجمع بين ما قد نعتبره نقيضين أي الوحدة والتنوع.

أما نحن فلا نزال مشغوفين بالقالب الواحد والنمط الواحد والمظهر الواحد، مصرين على إلغاء التنوع أو عدم الاعتراف به. والغريب أن يذهب بعض أبنائنا لطلب العلم في أمريكا مثلا التي تعتبر بيت التنوع الأول، من حيث استيعابها للمهاجرين من كافة أنحاء المعمورة، ثم يعود بعضهم دون أن يستوعب درس التنوع والاختلاف، لأنه عاش هناك دون أن يكلف نفسه عناء تجربة «لِتَعَارَفُوا».

التعارف هو الطريق لفهم الاختلاف، ومن ثم للاختلاف بحب، وصولا للوحدة في التنوع.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.

شاعر وأديب