أيها العقلاء انقذوا أمة محمد من داعش الإرهابية

سيأتي يوم من الأيام على الأجيال القادمة ينظرون إلى التمييز الطائفي جريمة من الجرائم الكبرى في حق الإنسانية، وخيانة من الخيانات العظمى للدين الإسلامي الحنيف، وعامـلا ً من عوامل التخلف والجهل، وقيمة من القيم الجاهلية، ومبدأ من المبادئ الفاسدة.

وسينظرون إلى التكفيريين والطائفيين نظرة اشمئزاز وحقارة، بسبب الممارسات والإثارات الطائفية التي أثاروها في الزمن الرديء، بحيث أدت إلى الكراهية والبغضاء، والانقسامات العميقة في المجتمع الإسلامي، والحروب والتناحر بين أبناء الأمة الإسلامية، حتى إننا اعتقدنا إن هذه الحروب تقوم بين دينين مختلفين بشكل جذري، وبين حضارتين متناقضتين لا يجمعهما أي قاسم مشترك، ولا يرجعون إلى نبي واحد، ولا إلى قرآن واحد. إنّ الأجيال القادمة سيصابون بالدهشة الشديد ة، وبالصدمة الكبرى، وسيتعجبون من قلة الوعي، وسيتساءلون فيما بينهم كيف أن الأفكار الطائفية المقيتة تؤثر على عقول الشباب والشابات؟!! لوضوح شرهـا وأثارها السلبية على الناس، بل سيجعلون الطائفيين نماذج واضحة على الضلال والباطل، وسيضربون بهم المثل على الظلم والطغيان..

إن أكبر خطر يهدد أمة الرسول في العصر الحديث هو الخطاب الطائفي والتكفيري، والتعامل مع أفراد الأمة الواحدة على أساس مذهبي، وإثارة الفتنة بين الطوائف الإسلامية. والعقلاء من جميع المذاهب الإسلامية يدركون هذه الحقيقة بشكل واضح، لكنّ للأسف الشديد إن سكوت الأصوات المعتدلة من علماء ومفكرين ومثقفين وإعلاميين شجّع الصوت الطائفي على البروز والتحكم بالشارع الإسلامي، مما جعل هذا الصوت هو الأعلى والأكثر تأثيرًا في أبناء الأمة الإسلامية، وهو الذي يصيغ الذهنية الدينية كيف يشاء، ويتحكم في عقول الناس وعواطفهم، والأقدر على الحشد الجماهيري، والأكثر حضورًا في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقرؤة، والأقوى ثراءً وامتلاكـًا للإمكانيات المادية. لذلك تشكـّـل تيار تكفيري وحشي إرهابي في الأمة الإسلامية يثير بين حين وآخر قضايا طائفية وتكفيرية بأشكال وألوان مختلفة، لكي يشغل الأمة عن القضايا الأهم.

لقد أبتليت الأمة الإسلامية في العصر الراهن بنشوء تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» إذ لم يرى المسلمون من قبل أكثر وحشية منه، ولم يسمع الناس من قبل أكثر إرهابــًا منه، حتى إن التنظيمات الإرهابية التي تتشابه معه فكريــًا كجبهة النصرة لم تستطع التعايش معه بسبب شدة تطرفه وتكفيره الذي لم يرى التاريخ الإسلامي والإنساني مثله.

إن القيم الفاسدة الذي يبثها تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» عبر خطبه ومحاضراته وممارساته الإرهابية كالقتل وانتهاك الأعراض والتهجير، أنتجت للمجتمعات البشرية نفوســًا خبيثة أربكت الواقع الإنساني، وقلوبــًا قاسية اتخذت من العنف أسلوبـــًا حياتيـــًا في التعامل مع الناس، وأرواحــًا شيطانية نشرت الكراهية والبغضاء بين الدول الإسلامية.

إن الفكر الإرهابي لتنظيم الدولة الإسلامية ساهم بشكل كبير في إضعاف المسلمين فكريـــُا وسلوكـيــُا وحضاريــًا، مما أدى إلى تمزيق وحدة المسلمين، وانتهاك حقوقهم، وتدمير قيمهم النبيلة، وأشعل في نفوسهم البغضاء والكراهية، وجعلهم أحزابـــًا وفرقـــًا، وأوجد سدًا سميكـــًا وحاجزًا نفسيـــًا منيعـــًا فيما بينهم.

إن سر نشوء وبقاء تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي وتطوره وانتشاره في العالم الإسلامي هو وجود فكر تكفيري يغذيه رجال دين طائفيين يتصفون بتشدد فكري، وتعصب طائفي، وسوء خلق، لم يعرفوا في يوم من الأيام في الأوساط العلمية بسعة العلم والمعرفة، ولم يقدموا إلى المسلمين أي مشروع إسلامي يطور الحياة الإنسانية أو يحل مشكلة اجتماعية أو ثقافية أو تربوية.

و إننا لم نسمع أبدًا إن الطائفيين التكفيريين دعوا في يوم من الأيام إلى مؤتمر للتقريب بين المذاهب الإسلامية، أو إلى التعايش السلمي بين الأديان، أو إلى التسامح الديني بين البشر، أو إلى التعامل ا لأخلاقي مع المخالفين مذهبيـًا أو دينيــًا، بل العكس هو الصحيح إذ نرى في أدبياتهم وأقوالهم وأفعالهم التفرقة المذهبية، والفتنة الطائفية، والتعصب الأعمى، والعنف والإكراه وإقصاء الآخر الإسلامي والغير إسلامي. ولولا مشروعهم الطائفي والتكفيري لم تسمع بأسمائهم وذكرهم ووجودهم في الحياة.

و إذا أردت أن تستمع إلى خطب رجال الدين الطائفيين ومحاضراتهم لا تسمع منهم إلا السباب والشتم وأقذر الكلمات القبيحة لمن يختلفون معهم في الرأي، حتى إن الإنسان يشمئز من كلماتهم وأسلوبهم الفظ. إنهم لا يحتجون على منْ يخالفهم في العقيدة بالأدلة العلمية، أو البراهين العقلية والمنطقية إنما يحرضوا الناس عن طريق العاطفة الدينية والتعصب المذهبي على القطيعة والعنف والكراهية لكل من ْ لم يتفق معهم في القناعات الفكرية والدينية.

لقد أدرك أعداء الأمة الإسلامية إن أفضل سلاح لمواجهة الشعوب العربية والإسلامية هو سلاح الطائفية والتكفير المتمثل في الجماعات المتشددة كتنظيم الدولة الإسلامية لذا تغلغلوا في داخله، ونجحوا في اختراقه فكريــًا وتنظيمــيــًا لكي يحققوا خططهم الجهنمية في القضاء على الإسلام ويفرغوه من محتواه الأخلاقي والإنساني.

من المؤسف إن العلماء المعتدلين صمتوا عن تنظيم الدولة الإسلامية فترة من الزمن ولم يواجهوه بجدية، فجاء أصحاب الفكر التكفيري والإرهابي واختطفوا قرار الأمة الإسلامية وشبابها وفكرها وثقافتها، مما أدى إلى الويلات والمصائب الذي نراها في بلداننا الإسلامية.

ومما يحزن القلب إن بعض الشباب عاشوا طوال حياتهم في ظلمات التكفير والإرهاب، ومات بعضهم من أجل أفكار خاطئة بعيدة كل البعد عن الحق والصواب، وهم يظنون إنها مبادئ إسلامية مقدسة تستحق أن يضحي الإنسان من أجلها.

إن المرحلة شديدة الحساسية وبالغة الصعوبة، وتتطلب من الجميع من دون استثناء التنبه الى مخاطرها وإلى ما قد يترتب عنها، وهذا يوجب بالحد الأدنى التعاون للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، فكريــًا وتربويــًا واجتماعيــًا وإعلاميــًا واقتصاديــًا وسياسيــًا، وبذل الجهود لتخفيف التوتر والاحتقان الطائفي.

وعلى المفكرين الإسلاميين الكبار وعلماء الدين المعتدلين والمثقفين المعروفين والإعلاميين المخلصين أن يقوموا بما هو مطلوب منهم وأكثر في كل ما من شأنه أن يؤدي إلى إخراج أمة محمد إلى بر الأمان وإنقاذها من فكر تنظيم داعش الإرهابي.