خلاص راحت عليك !!
تم افتتاح مركز تسوق للأزواج في ( دالاس ) بالولايات المتحدة الأمريكية حيث يمكن للسيدات الذهاب واختيار زوج من بين مجموعة كبيرة من الرجال . المبنى مكون من خمسة أدوار كلما صعدت للدور الأعلى كان الرجــال أفضل في الصــفات و المـميزات ، والقاعدة الوحيدة التي تضبط وتنظم عملية الإختيار هي : أنك لو فتحت باب أي دور من هذه الأدوار لابد أن تختار زوجا أو تصعد للدور للأعلى ولا يمكنك الرجوع مرة أخرى للإختيار أو للإستبدال على الإطلاق مهما كانت الأسباب ، يعني إن الطريق ذو إتجاه واحد (one way) وإن النزول يكون للخروج النهائي فقط .
وبناء عليه ذهبت صديقتين الى المركز المذكور أعلاه لإختيار زوجين يستر عليهما ويتقاسم معهما أعباء الحياة ، ويخلصهما من الوحدة التي طال أمدها ، ويكونان معهما أسرة سعيدة يرفرف عليها الحب والمودة والرحمة . وبدأتا في الصعود إلى المركز طابقاً تلو طابق كما يلي ( توكلنا على الله ) :
الدور الأول : عليه لافتة تقول الرجال هنا لديهم وظائف محترمة و يحبون الأطفال فقالت الفتاتان لبعض: حسنا هذا أفضل من ألاَّ يكون لهم وظيفة ، أو ألاَّ يحبوا الأطفال ولكن لنرى ماذا في الدور الأعلى ؟
الدور الثاني : عليه لافتة تقول الرجال هنا لديهم وظائف بمرتبات عالية .. يحبون الأطفال
و في غاية الوسامة قالت الفتاتان .. ممممم .. ولكن ماذا في الأعلى ؟
الدور الثالث : عليه لافتة تقول الرجال هنا لديهم وظائف بمرتبات كبيرة .. يحبون الأطفال
في غاية الوسامة ، و يساعدون في شغل البيت قالت الفتاتان : وااو .. رائع .. ولكن ماذا قد يكون في الأعلى ؟ يا لله .. توكلنا على الله ...
الدور الرابع : عليه لافتة تقول الرجال هنا لديهم وظائف بمرتبات كبيرة .. يحبون الأطفال
في غاية الوسامة و يساعدون في شغل البيت .. و في غاية الرومانسية قالت الفتاتان :
يا الهي .. تخيلي ماذا يكون بانتظارنا في الطابق الخامس ؟؟
فصعدتا الى الدور الخامس : وجدتا لافتة تقول لا رجال هنا و هذا الدور فاضي و موجود فقط لإثبات أنه من المستحيل ارضاء المرأة .. مهما كان !!
مما لا شك فيه أن هذه القصة بالرغم من السياق الذي وردت فيه ، إلاَّ أنها تنطوي على الكثير من العبر والفوائد التي يمكن أن تمثل مفتاحاً سحرياً في مسألة إتخاذ القرار ، أو فيما يتعلق بأهمية الإنتقاء من بين العروض المتوفرة أمامنا سواء كنا إناثا أم ذكوراً فالأمر سيَّان ، لأن إتخاذ القرار لا يخضع لنوع الجنس ، بل للمهارات الشخصية ، والتراكم في الخبرات الإجتماعية ، وإن كانت المرأة مُتهمة بترجيح إختيار قلبها على ما يراه عقلها ، وفي أغلب الأحوال فإن القلب يريد ما لا يرى العقل .
فكم مرت علينا من مواقف كنا فيها بين نار الإختيار ، وكم من فرصة فاتت علينا لأننا كنا نطمع فيما هو أفضل ، وكم من خسارة تكبدناها ، وقد كان بالإمكان تفاديها لو أننا رضينا بما قسم الله لنا .
لست أرى بُداً من إتخاذ ما حصل في " سوق الأسهم " مثالاً حياً للتدليل على هذا المط في إتخاذ القرار ، فبعض الناس من الذين طمعوا في كسب المزيد من الأرباح تلو الأرباح ( وهذا حق مشروع لهم ) حتى كانت الكارثة ، وتلاشت كل تلك الأحلام المليونيرية ، وكان ما كان والذي لم يكن في الحسبان .
إنني لا أريد أن أُقلِّب المواجع ، أو أستثير الأحزان في نفس أي إنسان كان ، ولكن هذا ما هو متوفر ومقنع من المشاهد التي ترسخ النزعة إلى الكمال ، وغياب القناعة ، أو مناظرة الآخرين ، أو الرغبة في تحقيق أقصى درجة من الربحية دون النظر إلى ما قد تحمله الأيام من مفاجئات ، إن نحن فرطنا في الفرصة تلو الأخرى سعياً وراء بلوغ السقف الذي نريد . وكيس رغبات الإنسان لا قعر له .
سمعت عن فتاة في غاية الجمال والأخلاق ، كما أنها تتميز بدرجة طيبة من الذكاء والميل إلى العلم والمعرفة ، وتنتمي إلى أُسرة كريمة ، كانت ترفض من يتقدم لخطبتها واحداً تلو الآخر ، بسبب المواصفات والشروط التعجيزية التي وضعتها ، أو وضعها من هم حولها في شريك الحياة المرتقب ، حتى تجاوز عدد الذين تقدموا للإرتباط بها أكثر من 21 شاباً كان معظمهم من الشباب الخيرين ، من ذوي الثقافة والسمعة الطيبة !! فهل هذا من المنطق والعقل ؟
كثيرة هي الشواهد التي تديننا ، وتضعنا في قفص الإتهام ، في مسألة التفريط بالفرص التي يجود بها الزمن علينا ، ولا نقدِّر قيمتها إلاَّ بعد فوات الأوان ، فنضرب كفاً بكف ألماً وحسرة على ما فرطنا فيه تجاه أنفسنا ، ونتمنى لو تعود الفرصة مرة أُخرى لنقتنصها تعويضاً لما فات ، وتعود الفرصة ولكن نأبى أن نتخلى عن الطمع فيكون الطبَعْ
وقد قيل منذُ القِدَم : ( إذا هبَّت رياحك فاغتنمها ) ، ومن طمع طبع .
ليس عيباً أن يسعى الإنسان للحصول على الأفضل ، والأحسن ، والأجود ، والألمع ولكن يجب أن يكون ( الأوقع ) لا أن يُحلق في سماء الأحلام ، أو أن يسرح في عالم الأمنيات ، ويتمرد على قانون الجاذبية والواقعية ، فإذا به مرمياً في القاع جثة هامدة لا حراك فيها ، ولا له حول ولا قوة . فهل نحن نستفيد ونأخذ العظة من تجارب الآخرين أم لزاماً علينا أن نكون ضحايا لتجربة قادمة . الله أعلم .