ما تأثير التكنولوجيا في نمط حياة الأبناء؟
ربما تكون الطفرة التكنولوجية، وتطور وسائل الاتصال والتقنيات الحديثة، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، ساهمت بشكل أو بآخر في الحد من الحوار والتواصل الحي المباشر والواقعي بين الناس بشكل عام، وبين أفراد الأسرة الواحدة بشكل خاص. ففي عالم تحكمه التكنولوجيا أصبح الفرد يعيش عالمه الخاص، ومنشغلاً بعالمه الافتراضي، وتصفح الانترنت والمواقع المختلفة، وممارسة ألعاب الفيديو، أو التواصل مع الأصدقاء، والرد على رسائلهم الواردة عبر الهواتف النقالة والأجهزة الذكية، وهو الأمر الذي قد يضعف فرص التلاقي، والقدرة على التحدث والحوار وجهاً لوجه، والطلاقة في التعبير عن وجهات النظر، ومناقشة ما يصدف من مشكلات يومية.
ومن دون شك، فإن استخدام التكنولوجيا يعد من الأمور المحمودة، ومن الحسن تعلمها من الجميع، بما فيهم الأطفال، ولكن بحذر، مع التنبه إلى أن يكون ذلك بشكل متوازن، وأن توظّف بشكل مفيد كي لا ينقلب البحث عن الفائدة إلى الوقوع في المحظورات واستجلاب المشكلات، فالأجهزة كما هي مفيدة ونافعة هي كذلك خطيرة ومضرة إن لم توظّف بالشكل الصحيح والمناسب.
وحين الحديث عن العلاقة بين الأطفال والتقنية فإنه يجدر بالآباء وعي مسؤولياتهم في تنشئة ورعاية الأبناء، ودورهم في حفظ صحتهم النفسية والبدنية، من خلال توجيههم لما ينفعهم، والإفادة من إيجابيات الأجهزة التقنية، وترك سلبياتها، وتطويعها بطريقة تساهم في تطوير قدرات الأبناء، وتساعدهم في تعلّم ما هو ممتع ومفيد. فالآباء قادرون على الحد من سلبيات التقنية الحديثة والأجهزة الذكية والألعاب الإلكترونية، عبر الجلوس بجوار الأبناء، ومتابعتهم، بل واللعب معهم، حتى يمكن ارشادهم وتوجيههم نحو البرامج أو الألعاب الإيجابية، وهو ما يقود في النهاية إلى إفادة الصغار وضمان التعامل مع التقنية الحديثة بشكل سليم، وعدم تأثرهم بأي معلومة، أو سلوك، أو أفكار، من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي عليهم في الحاضر، أو في المستقبل.
إنه لمن الخطأ ترك الأبناء الصغار أمام أجهزة الاتصالات الجديدة، وكذلك تصفح الانترنت، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو الألعاب الإلكترونية، التي يقضي معها الأطفال بالساعات طوال اليوم، من دون ضوابط ومراقبة أو مُتابعة، وهو الأمر الذي قد يؤثر بشكل سلبي على عقلياتهم وتفكيرهم وسلوكياتهم وتكوين شخصياتهم، وربما قادهم ذلك إلى صداقات سيئة، ومشاهدة برامج مخلة بالآداب، أو مقاطع سلبية تفسد الأخلاق، وتؤدي إلى ممارسات خاطئة ومنحرفة، وتكسبهم العديد من العادات والسجايا السلبية.
على أن ما يجدر الإشارة إليه في هذا السياق هو "أن عدم التوازن في إدارة الوقت الذي نلاحظه على جيل الأبناء، والاستسلام للإدمان الحاصل على هذه المواقع، ينعكس على بناء شخصياتهم بأكثر من مستوى. فمن جانب لا يسمح هذا الوضع بممارسة الأدوار الحياتية الطبيعية، ومنها الأدوار الاجتماعية خارج البيت وداخله، والأدوار التعليمية والثقافية والانجازية والدينية من تعبد وتعلم. ومن جانب آخر تقدم مواقع التواصل الاجتماعي ما يسمى بالحياة الثانية أو الحياة البديلة، وهي حياة قد تختلف كثيراً أو قليلاً عن الحياة الواقعية من حيث طبيعة العلاقات والاهتمامات والأهواء وأنشطة التواصل، ويعاني البعض من تعلق مبالغ فيه بهذه الحياة البديلة مما ينعكس زهداً وبغضاً للحياة الواقعية.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الطبيعة النفسية الهشة لبعض المراهقين فإننا قد نقع على حالات من التورط في علاقات افتراضية تصبح هي المهيمنة على المراهق، بحيث لا تفسح مجالاً لممارسة العلاقات الواقعية بشكل سوي ومشبع. وقد أكد الباحثون أن لمواقع التواصل الاجتماعي آثاراً ملحوظة في زيادة العزلة الاجتماعية، وتهتك العلاقات الأسرية، وفي حالات كثيرة من القلق والاكتئاب، حتى ذكر ما يسمى باكتئاب «الفيس بوك» في بعض كتب الطب النفسي، ومن الواضح أن ظروفاً نفسية واجتماعية كهذه ستؤثر أول ما تؤثر في الحياة الدينية وما يلزمها من وقت وجهد وصفاء وتفرغ نفسي خلال أوقات معينة".]1[
لم يعد استخدام أجهزة الاتصال الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي، مقصوراً على فئة محدد، بل امتد ليشمل جميع الأعمار من الجنسين، وفرضت نفسها حتى على الأطفال الصغار، حيث تتنوع أسباب الاستخدام لهذه الأجهزة، من تصفح الإنترنت، إلى اللعب والترفيه، ومحادثة الأصدقاء، كما يمكن استخدامها كوسيلة لكسب المعارف، والإثراء العلمي، وتبادل المعلومات، وتنمية المواهب وصقلها، وكذلك الاستفادة منها في دعم المواهب ومهارات الابداع في مختلف المجالات.
غير أن الإفراط في استخدام هذه الأجهزة بشكل غير رشيد، ومن دون حدود للوقت، له عواقبه السلبية، وعلى حساب أمور أخرى أكثر أهمية. فالاستخدام المبالغ فيه يشغل الأبناء عن التواصل والتفاعل المباشر مع الوالدين والأشقاء والعائلة والمجتمع الواقعي الذي يعيشون فيه، ويتسبب في انعزالهم عن أسرهم وأصدقائهم في الحياة الواقعية، والانكفاء عن ممارسة الأنشطة الاجتماعية، والابتعاد عن وسائل الترفيه الحية، وعدم الخروج مع الأسرة إلى الحدائق والمنتزهات أوقات العطلات، وهو ما يعد أساسياً لصحتهم النفسية والبدنية والاجتماعية، ناهيك عن تأثير هذه الأجهزة والإدمان عليها على أدائهم الدراسي وتحصيلهم المدرسي.