معالي الوزير.. يمكنك التغيير
نأمل من معالي وزير الثقافة والإعلام أن يضع حداً للسجال حول الرقابة. فصورة «العكننة» تتكرر سنوياً خلال الاحتفال بأيام الجنادرية وما يرافقها من نشاطات فكرية وثقافية. سجالات لا تنتهي: كُتب ممنوعة، كتاب يُعاد فسحه، وآخر يُعاد منعه، احتفال توقيع لكاتب وكتاب يتحول إلى مشادة وتشنج ولغط بين الأطراف على صفحات الصحف وشبكة الانترنت، ثقافة واحدة يُراد لها أن تقود وتتحكم بالقناعات المخالفة، «الناشرون المشاركون في معرض الرياض للكتاب يقترحون تغيير سياسة المعارض». كل ذلك يجري في ظل عالم مفتوح الفضاء وعقل عالمي منفتح على الثقافات ولا تنفع معه الحدود والقيود.
جميعنا يا معالي الوزير لا نبتغي هذه «العكننة». فهذا المشهد لا يتناسب مع الصورة الحضارية التي نريد أن نقيمها ونرسخها عن بلادنا ليتعرف العالم علينا. وأمام هذا المطلب هل يمكن أن يستوعب المجتمع، المحلي والإقليمي والعالمي، استمرار شريحة منا بتبني فكرة أن الثقافة أو الكتاب لا يجلبان إلا الكفر والباطل والشر والبدع!
معالي الوزير: جميعنا يعرف بأن الوزراء على ثلاثة أشكال، وزير تقليدي يأتي ليصرف الأعمال في سياق القوانين والأعراف السائدة، ووزير رسمي ينغمس في فهم المواد والقوانين ليترجمها حرفياً ليعالج قصور هنا أو تقصير هناك، ووزير مبدع يجر العربة والحصان نحو خطوات تنموية تخدم المواطن والوطن، وتقضي على مفاصل الشلل والجمود من جهة وتزيل عن الأرفف غبار الزمن.
لا شك بأن العبور بين القناعات المختلفة محفوف بالمخاطر ولكنه عبور ضروري لا يتحمله إلا من جبل نفسه على الصعاب، وتجربتكم معالي الوزير في لبنان، وعبوركم بين تياراته، تؤهلكم لهذا لعبور. نحن كمجتمع متعدد في أفكاره ومتنوع في توجهاته من الطبيعي جداً أن نختلف، بل من الطبيعي أن لا تتبنى هذه التوجهات أفكار بعضها، ولكن الأمر غير الطبيعي أن لا تحترم بعضها وهو ما ينبغي دفع الجميع إليه.
معالي الوزير: كل منا يؤمن بمبدأ الحرية على طريقته، حرية الرأي والتفكير والتعبير، ولكن التوفيق بين تلك الطرق يحتاج إلى جهد مركز من وزارتكم، لا للتوفيق بين تلك الطرق فقط، وإنما بضخ وحقن الساحة الفكرية والثقافية بخطوات جريئة وعملية نحو تفعيل ممارسة الحرية، وبجرعات عملية تلغي استفراد البعض بثقافة الكل، واستبدال أدوار وأهداف أجهزة الرقابة بأدوار وأهداف تصب في تحديد مستوى تلك الحقن، وفي تحديد زمان ومكان وكيفية تلك الجرع.
معالي الوزير: صور «العكننة» المرافقة لاحتفالات الجنادرية لا تتناسب مع ما يتبناه خادم الحرمين الشريفين من استراتيجية عالمية «حوار الأديان» واستراتيجية داخلية «الحوار الوطني»، لذا ينبغي معرفة وتحديد هامش المساحة المتاحة، وفق هيكل الاجتماع السياسي لبلادنا، للتقدم خطوات جديدة للأمام نحو فهم مستحدث لدور الرقابة في وقتنا الحالي يتناسب مع العصر الحاضر، كي ننتهي من النزاع حول ضرورة وجود الرقابة أو عدم أهميتها وجدواها. معالي الوزير: أنت كشاعر ومثقف وسياسي ودبلوماسي، يمكنك أن تتلمس مكامن الداء، ولكن المهم الجراءة على التغيير، والأهم تبني منهج التغيير، ونأمل أن نلمس ذلك في القابل من الأيام. والله من وراء القصد.