الدعيدع الشيعي
عندما كنا صغارا كنا نسمع في محيطنا الاجتماعي الكثير من القصص عن نخلة اسمها «الدعيدع» وأنها تنقلب في الليل إلى جني يخدع الناس ويضللهم، كما أن لديها القدرة على التحول إلى نار، وكنا نصدق ذلك ولا نجرؤ على المرور بقرب تلك النخلة خصوصا عندما يحين المساء.
لم تكن هذه الشخصية محصورة في محيط ضيق، بل كانت منتشرة على امتداد الخليج في البحرين والقطيف والأحساء والكويت وغيرها، وهي شخصية اخترعها الخيال الشعبي العام إلى جانب شخصيات وهمية مرعبة أخرى كالراعية وأم هجام وأم الخضر والليف وأم رعام والخبابة وعبد العين وأبو مغوي – لا أدري لماذا أكثرها أنثى – هذه الشخصيات كان لها حضورها القوي والمؤثر في نفوس أجيال عدة كانت تصدق بها وتعتقدها اعتقادا جازما لا يتطرق إليه الشك.
هذا كان في الماضي، حيث أعيد تشكيل وعينا الجمعي وتم تخويفنا من وهم لا حقيقة له، ولا أدري إن كان ذلك لأسباب لها علاقة بالسياسة أم لا.
أما في الحاضر فإن هناك نسخة مطورة للدعيدع أستطيع أن أطلق عليها «الدعيدع الشيعي»، هذا الدعيدع الشيعي – كما تصوره وسائل الإعلام ودهاقنة السياسة وحفظة العقيدة – مخلوق أسطوري له قدرات عجيبة على التحول والتشكل وسائر أفعال الصيرورة بواسطة عصا التقية السحرية التي يملكها وحده دون سواه من متزلفي السلطة والمثقفين الجدد الذين لو قرأهم ميشيل فوكو للعن الثقافة وانتحر.
الدعيدع الشيعي مخلوق له قدرة عجيبة على النفاذ داخل عقول الناس وقلوبهم والاستيلاء عليها وتغييرها، ولا أعتقد أنه يستخدم التنويم المغناطيسي الاجتماعي أو البرمجة اللغوية العصبية للوصول إلى مبتغاه، لأن هذه وسائل متاحة للجميع.
الدعيدع الشيعي هو فقط من يستطيع تلويث المجتمعات السنية الخالصة والعبث بنقائها، فهو أخطر من كل خطر، دع عنك الخطر الصهيوني والغزو الثقافي الغربي وغيرهما، فكل ذلك لا يشكل شيئا.
الدعيدع الشيعي هو سبب كل المشاكل في عالمنا الإسلامي من المحيط إلى الخليج، فهو الذي أضاع فلسطين والقضية الفلسطينية، وهو الذي غزا إيران ثم الكويت، وهو الذي قمع الحريات في عالمنا الإسلامي، وهو الذي وقع الاتفاقيات مع العدو الإسرائيلي من كامب ديفيد إلى أوسلو وغيرها، وهو الذي تسبب في مقاتل الطالبيين أيام الأمويين والعباسيين، وهو الذي تحالف مع اليهود في لبنان ليظهروه منتصرا في حرب تموز 2006 م خدمة للأهداف الإسرائيلية، وهو الذي دشن المقابر الجماعية في العراق، وهو الذي كانت اليد الطولى في أزمات أسواق البورصة بل والأزمة المالية العالمية ...، وهو الذي....، وهو الذي...
إنه باختصار سبب مشاكلنا من طنجة إلى جاكرتا حسب تعبير المفكر الجزائري مالك بن نبي..
وعلى ذكر طنجة، فقد بدأت المغرب حملة لمنع الكتب الشيعية داخل المكتبات العامة المغربية، كما أفاد تقرير مراسل إذاعة بي بي سي العربية يوم أمس، "والهدف حسب الرباط محاربة جميع مصادر التغلغل الشيعي في المغرب وضمان الإستقرار المذهبي الديني. وقد تم تشكيل لجان محلية بكل الولايات للقيام بحملات مراقبة وتفتيش لمنع الكتاب الشيعي من التداول في الساحة الثقافية."
يأتي هذا في الوقت الذي حذر فيه الشيخ القرضاوي -الذي يوصف بالاعتدال- مجددا من استمرار خطر التمدد الشيعي بالمجتمعات السنية، مما يهدد هويتها، جاء هذا التحذير أمام مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الذي أنهى أعماله بالقاهرة يوم 12 مارس الجاري 2009 م، "حيث أرى بلاد السنة تنتقص أطرافها أمام الغزو الشيعي" كما قال سابقا.
لا أعلم ونحن في زمن الفضاءات المفتوحة كيف تكون الدعوة إلى حظر الكتاب الشيعي وحصار الفكر الشيعي خوفا على نقاء المجتمعات السنية.
ألا يمكن الوصول للكتاب الشيعي وغيره بألف وسيلة ووسيلة؟!
ألا يمكن الوصول للفكر الشيعي وغيره عبر القنوات الفضائية التي لا تشوش عليها «الصواية» التي كانت تشوش على إذاعة طهران سابقا؟!
أليس هذا المذهب أحد المذاهب الإسلامية كما صرحت به مقررات منظمة المؤتمر الإسلامي، وكما أفتى مؤخرا مفتي الديار المصرية الدكتور علي جمعة بجواز التعبد به معيدا للأذهان فتوى شيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت؟!
ثم لماذا ينصب هؤلاء أنفسهم أوصياء على عقول الناس؟! ألم يبلغ الناس الرشد بعد؟!
لماذا لا تقرع الحجة بالحجة، ويضرب الرأي بالرأي، والناس تختار ما تشاء وتتحمل مسؤولية اختيارها أمام الله سبحانه؟!
هل يمكن لأحد أن يكون أحرص على الخلق من خالقهم، وهو الذي يقول ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾.
إلى متى ستستمر هذه القوامة والوصاية على الناس؟! وإلى متى سيستمر تخويف الناس من الدعيدع الشيعي؟!
عجيب هذا الدعيدع المخلوق الأرضي الذي يستطيع التحول إلى جرم سماوي أو إلى هلال شيعي كما يقولون.. والأعجب منه تلك المجتمعات التي تصدق كل ما يقال لها حوله..
يقال لها إنه يقول بتحريف القرآن فتصدق، ولا تكلف نفسها عناء مطالعة التفاسير الشيعية التي تملأ حتى فضاء الإنترنت..
يقال لها إنه حمار اليهود فتصدق، ولا تكلف عقلها مراجعة هذه العبارة بمطالعة كتاب الواقع ومعرفة من هزم اليهود في تموز 2006 م.
يقال لها كل شيء عنه فتصدق لأنها تريد أن تصدق.. ومع ذلك يخاف عليها من هذا الدعيدع أن يخدعها يوما فتقع في شركه..
لا أدري كيف تنبه شمعون بيريز أيضا إلى هذا الدعيدع فاستخدمه بمهارة السياسي الثعلب حين قال كما نقلته صحيفة هآرتس في عددها 18/11/2008م " إنهم – أي الإيرانيين – يريدون حكم 350 مليونا «عدد سكان الشرق الأوسط» 90% منهم سنة "، ما أحرص بيريز على السنة، وكأن فلسطين التي ارتكب بيريز فيها مجازره وشرد أهلها واغتصب أرضها ليست بلادا سنية.
لا تعجب من بيريز فهو ثعلب بحق، ولكن تعجب أن هناك في عالمنا الإسلامي من ينطلي عليه كلام بيريز.