شركاء النجاح
النجاحُ كنهايةٍ رائعةٍ وسعيدةٍ لسلسلةٍ ممتدةٍ وطويلةٍ من العطاءِ المتواصلِ والجهدِ المستمر، ما كان ليصبحَ دونَ وجودِ شركاء حقيقيين ساهموا في الوصولِ إلى ذلك النجاح، والذين كان لهم دورٌ رئيسٌ ومحوريٌّ وشراكةٌ فاعلةٌ جعلت كل من ينتمي إلى ذلك الصرحِ يشعرُ بفخرِ الإنجازِ وروعةِ الانتصار، ولكن هل يعني كون أنّ لنا دورًا في صناعةِ النجاحِ مهما كان حجمُ ذلك الدورِ وأهميته أن نهمشَ دورَ الآخرين إلى حدِ الإلغاء؟!
الشراكةُ - كما هو مسماها - تكونُ بينَ عدةِ أطراف، ولكل طرفٍ دورٌ يقومُ به ومسؤولياتٌ ومهامٌ يضطلعُ بها، ولا يجوزُ لأي طرفٍ مهما كانت مكانته وأهميته أن يقومَ بدورِ طرفٍ آخر، فالكل في سفينةٍ واحدة، والكل يكملُ الآخر؛ حتى تصلَ السفينةُ إلى وجهتها المنشودةِ بأمان.
التعلمُ عن بعدٍ في الفصولِ الافتراضيةِ مثالٌ حيٌّ عن الشراكة نعيشه جميعًا، ويحكي لنا بصورةٍ يوميةٍ في أحداثه وقضاياه قصةً ثريةً من قصصِ شركاءِ النجاح، حيث إن الأدوارَ مقسمةٌ ومخصصة، فلكل شريكٍ دورٌ محددٌ هو مسؤولٌ عن تنفيذه، ولا ينبغي له - بأي حال من الأحوالِ إلا في حالات نادرة تضطرها الظروف - التدخل في أدوارِ الآخرين، فالأسرةُ تقومُ بدورها، والمدرسةُ كذلك، وكل منهما يدعم الآخر ويكمله.
المدرسةُ كمؤسسةٍ تعليميةٍ ممثلة بقائدها وإدارييها ومعلميها تتوزعُ الأدوارُ فيما بينهم، ويقومُ كل عنصرٍ بدوره، والأسرةُ بأفرادها في الجانبِ الآخرِ يؤدي كل واحدٍ منهم دوره، والكل شركاءُ في نجاحِ ذلك الطفل الذي هو أيضا يؤدي دورًا في غاية الأهمية، وعليه مهامٌ ومسؤولياتٌ متنوعةٌ يقومُ بها، وفِي التعلم عن بعد لا يمكننا أن نقلصَ تلك المهام عنه، أو ننوبَ في أدائها مهما كانت المسوغاتُ كالخوفِ عليه أو الحب والعاطفة تجاهه؛ حتى لا يقع الخللُ وتتشكلُ الفجوةُ التي يسقطُ فيها الطفلُ جراءَ تدخلنا في أمورٍ ليست من اختصاصنا، بل هي جزءٌ من اختصاصاته وهو المكلف بأدائها؛ حتى يتقدمَ ويتطورَ ويكتسبَ المهاراتِ التي تؤهله للمرحلةِ المقبلةِ في مسيرته الدراسية.
إن العاطفةَ الأسريةَ تجاهَ الأبناءِ مطلوبةٌ وضروريةٌ في حياةِ الطفلِ إذا قدمناها له على جرعاتٍ مناسبة، ولكننا إن بالغنا فيها فستشكل عبئًا كبيرًا وخطرًا حقيقيًا عليه بدلًا من أن تكون ركيزةً أساسيةً وعاملًا مساعدًا له في دراسته.
بعض الأسر - مع بالغ الأسى - تأخذُ دورَ أطفالها في الحصصِ الدراسية، فهي التي تفكرُ بدلًا عنهم، وهي التي تشارك، وهي التي تجيب عن أسئلةِ المعلمين أثناء الشرحِ والمناقشة، والأطفال ما هم إلا واجهة أمامية مثالية وغير واقعية لواجهةٍ خلفيةٍ تقومُ بأغلبِ الأدوارِ إن لم يكن كلها، وكل ذلك له مبررٌ واحدٌ يطفو على السطحِ عنوةً، وهو أن يظهرَ الأطفالُ بصورةٍ رائعةٍ ذات ألوانٍ قزحيةٍ آخاذة؛ تجعل من المعلمين ينظرون إلى هؤلاءِ الأطفالِ بعينِ الإعجابِ في أدائهم الدراسي.
تلك الصورة الجميلة وبمجردِ أن يسقطَ عليها ماءُ الحقيقةِ ستختلطُ عناصرها التي شكلتها، وستصبحُ بدون معالم، وستكون ضائعةَ الهويةِ ولا تنتمي لأي مدرسة فنية ولا تربوية، فلا بد لنا من وقفةٍ جادةٍ تعودُ بنا إلى الوراءِ قليلًا، حيث كان أطفالنا في فصولهم الواقعيةِ هم الذين يفكرون، وهم الذين يشاركون، وهم الذين يجيبون عن أسئلة المعلمين، وكانوا يؤدون دورهم الحقيقي في المدرسة، وبعد عودتهم إلى منازلهم كانت أسرهم تحتضنهم بالرعاية والمتابعة والاهتمام، وتمارسُ دورها المنوط بها.
إننا إذا أردنا أن نكونَ شركاء في نجاحِ أبنائنا وتفوقهم وإبداعهم وإعدادهم لما سيواجهونه في مستقبلِ أيامهم، فعلينا ألا نقوم بأدوارهم أبدًا، بل نمارس أدوارنا المطلوبة وكفى، ونترك لهم المجال مفتوحًا ليمارسوا أدوارهم، تلك هي الشراكة الحقيقية والمحمودة في التعلم عن بعد في الفصول الافتراضية، وهي التي نجسد ونؤكد من خلالها معنى الشراكة قولًا وعملًا؛ لنكون بحق شركاء النجاح.