النصيحة أم الوجع؟!
في عالمٍ مليءٍ ومكتظٍ بالصعوباتِ والتحدياتِ والعوائق، نبحثُ عن مفرداتٍ معينةٍ تمثلُ صفاتنا الشخصية، وتكونُ باعثةً على الأملِ والصمودِ أمامَ العراقيلِ والعثراتِ التي لا بد لنا وأن نواجهها ونتصدى إليها، تلك الصفات نكتسبها عمليًّا من واقعِ تجاربنا، أو بالتدريبِ المقصودِ والممارسةِ على مدارِ سِنيِّ حياتنا، ومن أهمها وأميزها الثقةُ الكاملةُ بذواتنا، والتي يمكنُ أن نصنفها في المستوى الأول من السِّماتِ التي لا يمكن لأي إنسانٍ أن ينجحَ بدونها أو تكونَ له بصمةٌ ذات أثرٍ ملموسٍ ومنحوتٍ في دنيا الناجحين.
الثقةُ بالنفسِ بطبيعتها تمنحنا جرعاتٍ إيجابيةً نكونُ في أمسِّ الحاجةِ إليها في التفاعلِ معَ مواقفِ الحياةِ المعقدةِ والمتنوعة، فتكونُ لنا كطوقِ نجاةٍ في أحايينَ كثيرةٍ، وشعلة من نورٍ نستضيءُ بها لعبورِ ذلك السَّدَف، حتى نرى الأشعةَ اللونيةَ المنبعثةَ من ذلك الجزءِ اليسير، فنحاول الوصولَ إليه، لتحقيقِ انطلاقةٍ زاخرةٍ بالإصرارِ والتحدي، تَكُونُ بمثابةِ البدايةِ الصحيحةِ لمواجهةِ يومٍ جديدٍ بكل ما فيه من كبواتٍ ومزالق.
إلا أنه لا بد لنا وأن نتفهمَ وندركَ أن ثقتنا بأنفسنا يجبُ أن تأخذَ حجمها الملائمَ والمخصصَ لها دون زيادةٍ أو إفراط؛ كي لا تكون حائلًا يمنعنا عن أمرٍ لا يقل أهميةً وفائدةً عنها ألا وهو الاستماعُ بحماسةٍ ودقةٍ وتركيزٍ لنصائح الآخرين وتوجيهاتهم وإرشاداتهم، والعمل بمقتضاها، وخصوصًا ممن يمتلكون الخبرةَ والدرايةَ والنضجَ والوعي، فمن هؤلاء نستقي الحكمةَ ونأخذُ النصيحةَ دونَ ترددٍ أو خوف، فهم أصحابُ الرأيِّ السديدِ والعقلِ الراجحِ الرصين، فَحَرِيٌّ بنا الظفر بمجالسةِ هؤلاء ومنادمتهم؛ لتصفوَ لنا الحياةُ وتزدهر، ولا نتعرض كثيرًا للألمِ والوجعِ جرَّاء الثقة المبالغ فيها.
الإنسانُ بينَ النصيحةِ والتي تعني إرادة الخير للمنصوح، والوجع والذي يعني كل ما هو مؤلم، فهو بين ضفتي نهرٍ جارٍ، فإما أن يصطحبَ معه النصيحةَ في رحلته بينَ الضفتين، وإما أن يأخذَ الألمَ والوجع، فهو مخيرٌ بين الأمرين، وعليه أن يتخذَ قراره، ولا أظنه سيغامر في ذلك؛ ليقع في دائرةِ الوجع، فتبدأ معها رحلةُ الدورانِ التي لا تنتهي، ويكون خروجه من مضمارها صعب المنال إن لِمَ يكن مستحيلًا.
إذا اعتدنا وتمرسَّنا واستأنسنا على الاستماعِ لصوتِ الحكمةِ والمشورةِ والنصيحةِ ممن يمتلكونها بحق؛ فإننا نمنحُ أنفسنا ونهديها فكرًا واسعًا رحراحًا، وفضاءً رحبًا مستفيضًا، وعقلًا ناضجًا مدركًا، يؤدي بنا إلى اتخاذِ قراراتٍ صائبةٍ في مجملها، تجعل حياتنا أجمل، وأمورها أسهل، وقواعدها أثبت وأقوى، ولا يعني أنَّ اختيارنا لهذا المنحى وتفضيلنا له بأننا فقدنا ثقتنا بأنفسنا أبدًا، فالثقة تؤكد قدرتنا على دراسةِ النصيحةِ والعمل بها وفقَ احتياجاتنا ومتطلباتنا، فنوظف ما يناسبنا منها في أمور حياتنا، ونؤسس لنا مكتبة طابعها الحكمة، وتكون مترعةً بالفلاسفةِ والحكماءِ والقدواتِ عبر التاريخ قديمه وحديثه، فتصبح لنا دليلًا ومرشدًا وموجهًا في كل ما يعترض حياتنا.
يقول مارك توين الكاتب الأمريكي الساخر: «نحن لا نتعلم بالنصيحة، بل نتعلم بالوجع».
إذا كنّا نتعلم بالوجع بكل ما سبقه من أخطاء جسيمة، وقرارات جانبها الصواب في معظمها، فَلِمَ لا نتعلم بالنصيحة بكل ما فيها من صواب وجمال وضياء؟!