شيعة المنطقة في ضيافة كربلاء
منذ أن وجد التشيع طريقه إلى بلاد البحرين على يد زعماء قبيلة عبدالقيس الجارود العبدي والأشج العبدي وصوحان العبدي إضافة إلى أدوار مهمة في هذا الشأن قام بها قس بن ساعدة الإيادي ووالي البحرين – الذي حالف عبدالقيس – أََبان بن سعيد بن العاص ووالي هجر المنذر بن ساوي، أخذ التشيع بعداً آخر، فقبيلة عبدالقيس كانت تدين بالنصرانية، وعلم زعماؤها بظهور النبي محمد والنقباء الاثنا عشر، فكانت الأرض خصبة، والاستعداد كان كبيراً، بل إن العارفين من زعماء البحرين كانت بالنسبة لهم الرسالة المحمدية، تحصيل حاصل، والإمامة الاثني عشر استحقاقاً مؤكداً، فكانوا يعيشون ثقافة (الانتظار) لظهور النبي الجديد ومن معه .
ومنذ ظهور الإسلام فقد ناصرت عبدالقيس الرسالة المحمدية، فكان أبرز الصحابة البحرانيين الجارود العبدي والأشج العبدي من شيعة أمير المؤمنين – عليه السلام – بل إن قبيلة عبدالقيس طالبت بعزل والي النبي محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – العلاء بن الحضرمي، واختارت أبان بن سعيد بن العاص فاستقبله ثلاثمائة فارس من عبدالقيس مابين نجد والبحرين، وعزي له نشر التشيع – سياسياً – في بلاد البحرين ولما توفي رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – سنة 11هـ اعتزل ولاية البحرين وأقام في الحجاز، ولم يبايع أحداً، ولما طلب منه أن يكون والياً على البحرين رفض وقال : (لا أكون لأحد بعد رسول الله) .
وظلت قبيلة عبدالقيس، وهو القبيلة التي وصف النبي أهلها بأنهم (خير أهل المشرق) و (إنهم أسد الله في أرضه) كما وصف أمير المؤمنين – عليه السلام – راياتهم بأنها (رايات الله) كما يروى.
هكذا وجدت قبيلة عبدالقيس في بلاد البحرين نفسها في غربة عن أمير المؤمنين والأئمة من بعده، فصارعت وحاولت تنصيب ولاة موالين لأهل البيت في أيام الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان، لكنها لم تنجح، ماعدا صورة واحدة انضم فيها العلاء بن الحضرمي لزعماء عبدالقيس ويعتقد أنه تشيع خلال هذه الفترة وخرجوا للجهاد حتى استشهدوا في بلاد فارس سنة 21هـ دون علم من الخليفة عمر، وحين عين الخليفة عثمان عبدالملك بن مروان والياً على بلاد البحرين، هاجر الكثير منهم وأقاموا في البصرة والكوفة، وشكلوا الأرضية لانتشار التشيع في بلاد العراق، حتى آلت الأمور إلى أمير المؤمنين سنة 35هـ فشاركوه في معاركه (الجمل) و (صفين) و (النهروان) فكان زعماء جيشه والمقربين منه إلى جانب قبيلة همدان اليمانية .
هكذا كانت الصورة حول الإمام علي، قبيلتان كبيرتان راسختان الأولى عبدالقيس البحرانية والأخرى همدان اليمانية، كانتا سنده وجيشه وزعمائهما هم سدنة حكومته وما مالك الأشتر النخعي وكميل بن زياد النخعي والحارث الهمداني وصعصعة بن صوحان العبدي، وغير هؤلاء كثير، إلا طلائع راياته والرجال المخلصين من حوله، إضافة إلى كبار الصحابة المحيطين بالإمام علي – عليه السلام – من أمثال سلمان الفارسي وعمار بن ياسر ....، حتى قال الإمام علي – عليه السلام – على منبره في تأبين مالك الأشتر، لما استشهد في مصر (عقمت النساء أن يلدن مثله، كان لي كما كنت لرسول الله) كما جاء في الرواية .
وقال الامام أبو عبدالله جعفر الصادق – عليه السلام – (لم يكن أحد يعرف حق أمير المؤمنين إلا صعصعة ومن معه) قصد بذلك صعصعة بن صوحان العبدي المولود في جزيرة تاروت بالقطيف.
وحين اقتربت واقعة كربلاء، كان أبناء عبدالقيس في حال من الغليان، وكان ينتظرون الفرصة لإعادة الأمور إلى أهلها، فقد أعلنوا العصيان لحكم معاوية، ووصفهم بل وصف بلادهم بأنها أسوأ البلاد ووصف أهلها بأنهم فعلة أصولهم فارسية، رغم علمه أن قبيلة عبدالقيس كانت تنتشر في بلاد البحرين التاريخية كلها من البصرة شمالاً إلى عمان جنوباً وكان مركزها الخط وهجر وأنها قبيلة عربية ربيعية عدنانية، وما ربيعة ومضر إلا أخوان، فاشتد الخناق على أهلها، وحوربوا، وقذف بهم في السجون قبيل واقعة كربلاء، حتى أعلن الحسين – عليه السلام – رفضه لمبايعة يزيد بن معاوية سنة 60هـ، فحاول زعماء وأبناء عبدالقيس الالتحاق به، إلا أن الكثير منهم، سجن في سجون عبيدالله بن زياد بالعراق، أو اضطهدوا، سوى التحاق أحد عشر رجلاً منهم أو من مواليهم به، واستشهادهم بين يديه في واقعة الطف . حتى انعكس ذلك على نفوس أبناء هذه القبيلة وهم الشعراء والخطباء وأرباب البلاغة، فجرى ذلك في شعرهم وفي مجالسهم عزاء منذ ذلك اليوم .
يروى عن الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – قوله في شعر الشاعر سفيان بن مصعب العبدي – والعبدي نسبة لعبد القيس – (علموا أولادكم شعر العبدي، فإنه على دين الله) هكذا كانت الأمور تعصف ببلاد البحرين وقبيلتها عبدالقيس منذ أن تشيعت وتسببت في انتشار التشيع في أصقاع عديدة، فعانت من ذلك كثيراً، واعتبرت البحرين منفى للمعارضين لبني أمية وبني العباس وغيرهم .