ثقافة الوفرة يا حسرة
تُعتبر الحاجة من أهم المخاوف الشائعة بين البشر ، فالعديد من الناس يخافون ألاّ يكون لديهم المزيد مما يحتاجونه ، ومعظمنا عايش أزمة الخليج الثانية " أو ما عُرفت بعملية عاصفة الصحراء أو حرب تحرير الكويت من 2 أغسطس 1990 إلى 28 فبراير 1991 م " وهي حرب شنتها قوات التحالف المكونة من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ضد الجيش الصّدامي الجائر بعد أخذ الإذن من الأمم المتحدة لتحرير الكويت من إحتلاله الغاشم إليها آنذاك ، ورأينا كيف تطاير الناس كالجراد المبثوث على الأسواق لشراء ما يحتاجونه من مواد غذائية قبل أن تبدأ عاصفة الصحراء فلا يتمكنوا من فعل ذلك . الأمر الذي نتجت عنه أزمة إقتصادية حتى في أجهزة الراديو " الترانزستور " وذلك لمتابعة الأحداث المتتالية للحرب لحظة بلحظة قبل أن يتفضّل الغرب علينا بالأقمار الإصطناعية التي تضخ على رؤوسنا المئات من القنوات الفضائية التي تستقبلها الصحون اللاقطة المزدحمة بها أسطح منازلنا بكل سرور !!
هؤلاء الناس الذين يسعون دون هوادة لنيل المزيد مما يحتاجونه ، إنما يخدعون أنفسهم بإعتقادهم أنه سيأتي يومٌ يصلون فيه إلى درجة الإكتفاء بعد أن يحصلوا على كل شيئ كافحوا من أجله ليلاً ونهاراً ، لسبب بسيط جداً وهو أن ( كيس رغبات الإنسان لا قعر له ) وكما يقول المثل الدارج : ( بني آدم لا يملأ عينه إلاّ التراب ) وأشكُّ في ذلك !! .
إنهم يعتقدون بأنهم سيُحققون النجاح الذي يسعون وراءه ، وسيملكون الأموال التي يحتاجونها ، ويحققون رغباتهم ، وينالون الحب الذي طالما حلموا به ، ويتزجون المرأة التي شبعت بها أحلامهم ، ويبنون المنزل الذي سيوفر لهم راحتهم ، ولكن هل أيّ شيئ من هذه الأشياء يكون كافياً ؟ هل كل ما يتمنى المرء يدركه ؟
كم رأينا من أُناس كان يراودهم الحلم بأن يعيشوا " حياة الثراء " لأنهم من الفقراء الكادحين وراء لقمة العيش ، الأمر الذي دفعهم إلى العمل بجدٍ واجتهاد لسنوات عديدة لدرجة أنهم غابوا حتى عن أنفسهم ، وذلك من أجل أن يحققوا الأشياء التي يرغبون فيها بوفرة شديدة مثل : السفر ، وإقتناء السيارات الفارهة ، والمنزل الجميل ، والرصيد البنكي الكبير ، والملابس الثمينة ، والأصدقاء من الطبقة الراقية ، ومع كل ذلك لا يبدو أن ذلك كافياً بالنسبة لهم البتة . لأنهم لا يستطيعون أن يمحوا أثر الخوف من الفقر والحرمان الذي ذاقوه في الماضي ، أو الهاجس من فقدان ما حققوه . إنهم بحاجة ماسة إلى تعلم درس الوفرة .
إن الشعور بالعوز الدائم يظهر بالتأكيد نتيجة ما يُسمى بـ " الفجوة الروحانية " حيث نحاول عن طريق هذا المسمى أن نملأ الفجوات الموجودة بداخلنا - وإن إتصفنا بالتدين في مظهرنا العام - بأشياء من العالم الخارجي ، ولكن هذا مثل لعبة الألغاز لا يمكن أن تحل قطعة محل أُخرى ، كذلك لا يمكن أن تملأ الأمور الخارجية الفراغ الداخلي ، ولكن هناك شيئ واحد فقط يمكن أن يملأ الفراغ الداخلي ألا وهو التمعن بداخلك ، فقد كان لديك ما يكفيك وعليك أن تبوح وتكشف لنفسك معنى الوفرة بداخلك ، وعندئذٍ لن تحتاج إلى النظر في أي مكان آخر . جرِّب فلن تخسر شيئاً ، بل إنك ستسترد الشعور بالسلام . تحياتي