رحم الله مجانين زمان !!
فيما مضى كانت لا تخلو مدينة أو قرية ، من وجود بعض من يعانون قصوراً في قدراتهم العقلية ، والإدراكية ، أو من كانوا يُسمّون ( ظلماً وبهتاناً ) بالمجانين .
هؤلاء من كان بعض الناس من حولهم يخافون منهم ، ويتحاشون الإختلاط بهم ، ويحذرون من الإحتكاك معهم . كانوا من أطيب الناس في مجتمعاتهم ، لم نسمع أن آذوا أحداً ، أو قاموا بالإعتداء على أحد . بل تراهم مبتسمين في أغلب الأحيان ، دون طمع في شكر ، أو رغبة في عطيّة ، وبالرغم من مظهرهم البائس الذي يحنُّ عليه من في قلبه ذرة من عطف ، ناهيك عن إيمان ، فإن داخلهم يشعُّ طيبة ووداداً ، وحتى وإن صدر عنهم ما يُكدِّر الخاطر - وإن ندر - فإن لهم العذر ، لأنهم لا يعقلون .
لم نسمع عن أحدهم بأنه قام بالسطو على منزل ، أو متجر ، أو بقالة لرجل بسيط إتخذ منها مصدراً لرزقه ، وتأمين القوت لعياله ، أو إنتهك حُرمة مؤمن ، أو نهب جوّال سيدة تمشي في أمان الله وحفظه ، أو إقتحم مزرعة في جنح الظلام تفوح منها رائحة الريحان وانهال ضرباً ، وسلباً على ( المزارع الطيب الوافد ) الذي ترك والديه الطاعنين في السن ، وفارق أسرته أملاً في العودة إليهم بما يؤمّن لهم حياة كريمة ، ويكفيهم بؤس الحاجة للناس ، أو إنتشل محفظة من جيب أحد فيها كل بطاقاته الشخصية ، والمصرفية ، والإئتمانية ، أو غرّر بطفلة ليفعل بها الفاحشة ( والعياذُ بالله ) ، أو تسلّق بيتا من بيوت عباد الله ليلطم ويركل أمَة من إماته كانت آمنة مطمئنة في دارها ، ويسلبها ما عليها من ذهب ، ويسرق ما توافر في صندوقها من مال ، دون أن يرف له جفن ، أو يخشع له قلب ، ويتركها منهارة القوى ، ويلوذ بالفرار هو ومن معه من رفقاء إبليس تتبعه صرخات المسكينة المتبعثرة في الهواء كفقاعات الصابون .
لم نسمع قط أن أحد هؤلاء ( المجانين ) قد قام بقتل حتى بعوضة ، أو داس بقدميه على وردة فواحة ، أو مزّق صفحة مضيئة من كتاب ، أو خربش على جدار كان كالبرَد من شدة نظافته ، أو حطّم زجاج سيارة لينتزع مسجلها ، أو سرق صندوقاً لجمع تبرعات كانت مخصصة لرعاية الأيتام والمحتاجين ، أو خطف طفلة بريئة كانت عائدة من مدرستها تسير بخطى مستبشرة محفوفة بالأمن والأمل، أو لوّث سمعة الناس ، وشهّر بأعراضهم ، ونشر سمومه القاتلة ، وبث أفكاره الهدّامة من خلال الشبكة العالمية دون وازع من ضمير ، أو رهبة من عقاب .
إذا رأينا ما يحدث من حولنا اليوم ، ترحّمنا على مجانين زمان . فيا قلب لا تحزن فإن القادم أفضع . سترك يارب .