ولاء الشيعة... ضربة استباقية
يثار بين فترة وأخرى كلام عن أن ولاء الشيعة وانتماءهم ليس لأوطانهم وإنما هو لطائفتهم أو مراجعهم الدينية، وربما قالوا لدول أخرى لها نفس المذهب.. فما هي قيمة هذا الكلام؟ وما هي أغراضه ودوافعه؟
في البداية لا بد من التفريق بين أنحاء من الانتماءات للإنسان:
ـ الانتماء للعرق، وللقوم «اللغة»، وللأسرة وللمذهب أو الدين وللوطن أوالأرض، وللنظام السياسي الحاكم.
وبعض هذه الانتماءات لا مجال للفكاك منها لأنها لم تأت باختيار الانسان ولا يستطيع أن يغيرها.. وهي الثلاثة الأول «للعرق: اسود أو أبيض» و«للقوم: عربي أو انكليزي..» و«لأسرة: آل فلان»..
وأما بالنسبة للثلاثة الثانية فهي اختيارية، وتقع ضمن دائرة التغيير «بغض النظر عن جواز ذلك وشروطه».
كما أن بعضها يتقدم على البعض الآخر فالثلاثة الأول تقع في المرتبة الأولى قبل ما عداها.. والثلاثة الثانية يتقدم فيها الانتماء للدين او الطائفة على غيره.
وفيها لا بد من التمييز بوضوح في أن:
الولاء هل هو للوطن؟ أو لحاكم الوطن؟ العلاقة التي تحكم بين الانسان ووطنه هي مثل حب الوطن من الايمان، والدفاع عن دار الاسلام، لكن العلاقة التي تحكم بين الانسان وبين حاكمه هي إحدى العلاقات: إما الدينية كالامام الشرعي، أو التعاقدية كالانتخابات أو التراضي أو ما شابه.. أما يتحدث عن العلاقة بينهما وكأنها شيء واحد فهذا تزوير وتلبيس..
فالمعارضة السياسية للحاكم لا تعني ـ بالضرورة ـ عدم الولاء للوطن! إذ من الواضح ثبات الوطن وتغير الحاكم، وقد أصبح هذا في العالم من الأوليات، ففي أمريكا وبريطانيا وفرنسا عارضت جماهير كثيرة خطة الحرب ضد العراق وقامت مظاهرات في هذا الصدد لم يقل أحد أنهم لا ولاء لهم لأوطانهم!.
بل ربما كان من الضروري المعارضة للحفاظ على الوطن فهل كان على الشيعة أن يوالوا صداما وهو يقتل العلماء وينفي الزعماء؟
وهل كان على المسلمين والعرب أن يوالوا بعض الانظمة التي نصبها المستعمرون أيام الاستعمار بزعم أن الولاء للوطن يقتضي ذلك؟
والصحيح أن العلاقة ترتبط بوفاء الطرفين بالاشتراطات، فإذا كانت دينية، فلها محدداتها، وحقوق الرعية والراعي الديني التي يجب أن يلتزم بها، وإذا كانت تعاقدية، فهناك أيضا جملة حقوق على الحاكم تجاه رعيته.
إذن:
لماذا تثار هذه المسألة بالنسبة للشيعة خصوصا؟ بعدما كانت كل تلك الانتماءات حاصلة بالنسبة لكل الناس؟ وما هي أغراض هذه الإثارة؟ نشير إلى بعض الأهداف:
1/ قول البعض: أن الشيعة كان لديهم بعض الحركات السياسية التي جعلت الأنظمة تشكك فيهم، فيحتاجون الآن إلى القيام بأعمال تعيد ثقة هذه الأنظمة بهم!
ومن الواضح أن القائل بهذا يفترض وجود مبرر معقول للتشكيك في ولاء الشيعة لأوطانهم! وأن عليهم أن يزيلوا اسباب هذا التشكيك، بمزيد من الخطوات والأعمال الايجابية، والالتصاق بأنظمتهم السياسية، وأن يعلنوا باستمرار تأييدهم حتى تزول تلك النظرة!
ويجادل المخالفون لهذه الفكرة:بأن هذا نوع من التنميط والتعميم غير الصحيح.. ففي الدين لا يتحمل أحد تبعات عمل أحد آخر.. إذا قام شخص بعمل فإنه يتحمل مسؤوليته وحده! «في أمريكا قام طبيب عسكري في معسكره بقتل 12 أمريكي معه، فخرج المسؤولون ليقولوا إن المسلمين لا يتحملون مسؤولية ذلك»!
وهل تم التعامل مع بقية الطوائف على أساس أن فيها جهات معارضة، فيجب إقصاء كل من ينتمي إليها؟ الآخرون كانوا أصحاب التفجير والإرهاب.. فهل تمت معاملة طائفتهم كذلك؟ وهلل طلب منهم أيضا ذلك؟ أو أنه تم حصر القضية في إطار من عارضوا؟
وأيضا يسأل هؤلا ء: ماذا كان وضع الشيعة قبل هذه الفترة.. قبل الحركات؟ هل كانوا مواطنين تامي المواطنة؟
2/ حديث البعض عن أن ارتباطهم بمرجعيات خارجية يعني أن ولاءهم لغير أوطانهم!
والجواب: يرجع المسيحيون ـ ومنهم العرب ـ في العالم إلى بابا الفاتيكان، وهو يسافر إليهم ايضا بين فترة وأخرى،ولم يقل أحد أن ولاء المسيحيين في تلك الدول ليس لأوطانهم لأنهم يرجعون لمرجعية دينية خارج بلادهم..
* ويرجع المسلمون العرب المالكيون والشوافع إلى الأزهر في مصر، والسلفيون الباكستانيون والعرب إلى علماء السعودية، والأحناف يجدون عمقهم الاستراتيجي في تركيا.. لماذا كانت المرجعية المسيحية والمسلمة غير الشيعية لا تقدح في ولاء الملتزمين بها، بينما يكون الانتماء للمرجعية الشيعية مخلا بالانتماء الوطني؟
3/ البعض يرى أن هذه عملية اشغال وتعويق، مثل أنك لا تريد من أحد أن يلحقك فتشغله بقضية ما.. فليذهبوا وراء إثبات مواطنتهم، ولن ينتهوا منها!
4/ يعتقد آخرون أن المرحلة القادمة في العالم الاسلامي هي مرحلة استحقاقات جديدة، بعد أن حصلت ظروف جديدة في العالم والمحيط الاقليمي إذ لا يمكن أن تبقى الأوضاع على ما هي عليه، فتثار هذه الفزاعة أمامهم حتى لا يطالبوا بشيء مما يستحقون وكما قال بعض الباحثين: "القيام بضربة استباقية تمنع التيار الشيعي من طرح قضية التمييز الطائفي على الطاولة، كما أنه يزيح عن كاهل بعض الأنظمة عبء التفاهم السياسي مع الشيعة ويشرعن سياسة العزل والتهميش للمتهمين بالولاء لإيران، ويجعل أي تحرك شيعي مطلبي مستقبلاً عرضة للتخوين وللأيادي الإيرانية في المنطقة، وبذلك تنتفي حجية إدماج الشيعة في أوطانهم أو سعيهم للمشاركة في السلطة لأنهم ببساطة خونة، فالدمج يعني الحرية الدينية لا إغلاق المساجد، والإنصاف في الفرص والمساواة أمام القانون والمشاركة السياسية العادلة".