اقرؤوا هذا الشاعر المتألق
في الغرب عندما يصدر أحدهم كتابا أو كتابين فإنه في الغالب يصبح في قائمة المشهورين والمرموقين اجتماعيا وماديا، لأن الناس هناك تقرأ. ولعل أبرز مثال على ذلك الكاتبة البريطانية جوان كاثلين رولينج مؤلفة روايات هاري بوتر التي أصبحت مليونيرة بعد أن كانت معدمة.
أما عندنا فإن من يطبع كتابا فإنه في الغالب يصاب بخيبة أمل لأن القريبين منه سيطالبونه بنسخ مجانية تحت عنوان «إهداء»، وإذا لم يقم بتلبية طلباتهم أو بعضها فإنهم «سيزعلون» وسيلومونه في كل محفل على عدم تقدير الصداقات والقربى، وإذا لبى تلك الطلبات الكثيرة وشارف حد الإفلاس وانتظر أن يسمع رجع صدى لكتابه من هؤلاء الذين أهداهم لم يأته شيء لأنهم لم يقرؤوا الكتاب، وفي أحسن الأحوال سيسمع كلمات ثناء سطحية مقتضبة أو نقدا يركز على غلاف الكتاب وشكله الظاهري دون نفاذ للجوهر. هذا عن القريبين منه، أما البعيدون فأنت أدرى بالحال.
أسوق هذه المقدمة لأنبه إلى أمر غاية في الأهمية، وهو أن تعاملنا مع الكتاب والكاتب ينبغي أن يتطور ليصبح تعاطيا حضاريا، يقدر الإبداع ويوجه النقد البناء طلبا للنتاج الأفضل.
وهذا بالضبط ما أطلبه وأظن أيضا ما يطلبه شاعرنا الذي أصدر مؤخرا ديوانه الثاني «أمل عند مصب النهر» بعد ديوانه الأول «زهرة الفردوس».
«أمل عند مصب النهر» ديوان يحتفي بالإنسان، يعيش معه لحظات تألقه ومسراته، وأوقات تشرذمه وإخفاقاته. عندما تقرأ الديوان يستوقفك هذا التفاعل الأخاذ للشاعر مع الإنسان والمكان والزمان والأحداث. إنه شاعر بكل ما لهذه الكلمة من دلالات، تحركه فرحة ابنته كما يحركه موت صديق له لم يره ولم يلتق به، وإنما شاركه في أحد المنتديات على الشبكة العنكبوتية، بل أكثر من هذا يشاهد طفلا أفريقيا على شاشة التلفزيون يتعرض للتعذيب حتى الموت فتأتيه القصيدة نازفة نشيجها.
«أمل عند مصب النهر» هو شيء من كيان الشاعر لا من خارجه؛ هو اندكاك المشاعر المتوهجة بالحروف المتقدة، يحضر الموت في كثير من قصائده كما تحضر الحياة أيضا في أشكال مختلفة؛ تارة في سوق الأسهم «ثلاث قصائد»، وأخرى عند معاناة المدرسات المغتربات «قصيدتان»، وثالثة من خلال الاحتفاء بالمكان «ثلاث قصائد في القطيف وسيهات»، بل حتى المكان الافتراضي له حضور في الديوان، ورابعة في «بيت ريما» الفلسطينية، وخامسة في «كيف تصبح زوجا مثاليا، وسادسة وسابعة و...
لا أريد أن أحرق الفيلم كما يقولون، ولكن يبقى أن تعرفوا أن صاحب الديوان هو الشاعر المتألق سعيد معتوق الشبيب، الذي تعرفه الساحات الأدبية جيدا، كما تعرفه منصات الاحتفالات والأمسيات في منطقتنا.
اقرؤوا هذا الشاعر الجدير بالقراءة والتأمل، واقرؤوا غيره من شعرائنا المتألقين، وتفاعلوا مع إبداعاتهم بكل أشكال التفاعل ولا تبخسوهم أشياءهم.