إلى وجهائنا مع التحية
سأتحدث هنا بلغة الجمع رغم أن العبد لله لا يملك إلا نفسه، ولا أقول كما قال موسى «إلا نفسي وأخي»، إلا أني أظن أن بعض إخوتي – وأرجو أن يكونوا الأكثرية- يتفقون معي فيما سأقول، ولذا سأسمح لنفسي التحدث بلسان الجمع دون أن أقصد إلغاء أي صوت يختلف معي، فللجميع أرفع قبعتي، أقصد غترتي.
لقد أسعدنا اجتماعكم وتصديكم بشكل جماعي يمثل الطائفة الشيعية بكل أطيافها على امتداد الوطن، بعيد أحداث البقيع المؤسفة التي حدثت مؤخرا، حيث مثل الهم المشترك أساسا لتحرككم، فاجتمعتم وتناقشتم بكل مسؤولية، وحاولتم جهدكم إيصال صوتكم المحمل بهمومنا إلى من يهمه الأمر، وأبديتم خوفكم من تداعيات الأحداث وانعكاساتها السلبية إن لم يتم معالجة أسبابها الحقيقية.
وبالرغم من أن النتائج لم تكن بالمستوى الذي كنتم تطمحون إليه من إجراء تحقيق مستقل ومحاسبة المتسبب والمقصر، حيث تم حل الموضوع على طريقة المرور «كل واحد يصلح سيارته»، رغم ما تعرض له البعض كالشيخ جواد الحضري من اعتداء آثم بالطعن بالسكاكين كاد يودي بحياته، ومن ركلات لا يزال يعاني من آثارها على جسده، بل وحُملنا – زيادة على ذلك- بشكل أو بآخر المسؤولية إذ جُعلت شرارة الأحداث قيام مجموعة من الصبية بنبش أحد القبور، بينما كانوا في واقع الحال في اليوم التالي للأحداث يأخذون شيئا من تراب قبر أم البنين للتبرك به حسب معتقدهم، وهذا المعتقد بالمناسبة ليس خاصا بالشيعة، فهذا الذهبي في سير أعلام النبلاء حين يترجم لمعروف الكرخي يقول: عن إبراهيم الحربي قال: قبر معروف الترياق المجرب.
على العموم هكذا تم تصوير الموضوع، ولم تذكر بسوء تلك الكاميرا المشؤومة التي كانت بالفعل شرارة البدء رغم استفزازها المتعمد، وما تلاه من تصرفات طائفية بغيضة.
نقول بالرغم من كل هذا فإن وحدتكم وتكاتفكم وتضامنكم كان محل تقديرنا وإعجابنا، حيث شعرنا بأن ذلك يمكن أن يشكل مدخلا وبداية لتدشين مرحلة جديدة من العمل التكاملي في مجتمعنا، عمل يسير وفق رؤية اجتماعية وسياسية معمقة.
لقد طالب البعض بضرورة إنشاء مجلس أو بيت شيعي يضم كافة الفعاليات العلمائية والثقافية والوجهائية من مختلف الأطراف والاتجاهات يمثل مرجعية محلية تتعاطى مع همنا الوطني وقضايانا المتصلة بمنطقتنا الجغرافية المحدودة، وللمطالبين كل الحق، ولكن يبدو أن الظروف الموضوعية لم تنضج بعد لإخراجه إلى النور.
ولكن، وعلى قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور، نعتقد أن ما هو مهم في هذه المرحلة الحساسة أن لا تتوقف الجهود عند هذا الحدث فقط، كما حدث من قبل مع أحداث سابقة، حيث كانت « الفزعة » والاستجابة الظرفية محور الحركة الوجهائية الجمعية، ثم ما تلبث أن تخمد بعد إطفاء الحريق، بل يجب أن تستمر بنفس أطول وأن تكون مستعدة للعب الأشواط الإضافية إن تطلب الأمر ذلك.
كما تعلمون – أيها السادة الأجلاء – فإن استمراركم في التنسيق المستمر لجهودكم يحمل رسالة سامية لمجتمعكم الذي مزقته الخلافات البينية طيلة الفترة الماضية والذي يستحق أن تلتئموا ليلتئم شمله، كما أن هذا الاستمرار في التنسيق سينتج على مدى الوقت مقاربات أفضل لموضوع حقوق الطائفة وما تعانيه من تمييز طائفي، وربما يُتوج في النهاية بمجلس أعلى يستجيب للآمال المعقودة.
ما نريده منكم في الوقت الراهن هو صوت واحد يعبر بصدق وشفافية وموضوعية عن كافة همومنا ومشاكلنا، عن حقنا في المساواة والمواطنة غير المنقوصة، عن حقنا – كأي مواطن آخر- في مناهج تعليمية لا تتعرض لنا بسوء تصريحا أو تلميحا ، عن حقنا في قوانين تكفل لنا حرية ممارسة شعائرنا الدينية، عن حقنا في محكمة خاصة ذات صلاحيات مناسبة، عن وعن وعن..، ما نريده منكم أيضا هو العمل على صياغة مشروع عمل ذي نقاط محددة ينطلق من حاجياتنا الملحة يتفق عليه الجميع ويعمل من أجله الجميع.
نعتقد أن عهد المعالجات الجماعية يجب أن يبدأ الآن وليس غدا، وأن مبادئ التصالح والتوافق والاحترام المتبادل للأشخاص والآراء والكفاءات يجب أن تكون سيدة الموقف.
أخيرا نؤكد مرة أخرى على ضرورة البناء على تجربة ما بعد البقيع وإضافة لبنات أخريات لها فتلك عادة المجتمع الحيوي الذي يسعى بجد لتحقيق أهدافه، طال الطريق أم قصر.
ولكم خالص تحياتنا ودعائنا بالتوفيق والسداد.