أرضٌ أم شعب
عندما كنا في الدراسة في الصفوف الإبتدائية للتعليم كانت المدارس لدينا تتولى مسألة جمع التبرعات لفلسطين وكان عنوان وشعار حملة التبرعات تلك ( أدفع ريالاً تقتل يهودياً ).
كان الجميع يدفع الريال وهو يشعر بأنه قد ساهم بقلبه قبل ماله في الإنتصار لفلسطين الأرض قبل الشعب الذي اغتصبت أرضه وسفكت دماءه وهٌجر أبناءها ولكن الأمر أصبح بعد فترة وكأننا نضحك على أنفسنا فلقد أصبح الفلسطيني هو المقتول و هو من تٌسفك دماءه في سبيل الدفاع عن بيته وأرضه وشرفه و انتهت قصة الريال لتبدأ قصة جديدة من الصراع الذي تعددت فصوله وتنوعت تفاصيله وأساليبه.
فمن ضحايا يلدن ضحايا على جدار التحرير و ما زالت دماءهم تلضخ ذاكرة الزمان و تترك بصماتهم في أخاديد وحفريات نقوشٍ ترسم خارطة المستقبل ومن مشردين يلدن مشردين يفتشون عن مأوى أو أرض تظلهم و يلوذون بها لقد أصبحت قضية فلسطين من القضايا التي يتوارثها الأبناء عن الأباء ويورثونها لإبنائهم وأحفادهم وأحفاد الأحفاد وكأن القدر والإرادة عجزا عن إيجاد حل لها أو محاولة التوصل إلى إيجاد ما ينهي معاناة شعبٍ و أرضٍ و مقدساتٍ لا زالت ترزح تحت ظلمات الإحتلال و سجون قهره وذله.
إن فلسطين والتي تقلصت حتى أصبحت القدس ، غزة ، والضفة الغربية هي بالنسبة لنا ليست قضية شعبٍ يبحث عن أرضٍ أو ملجئٍ أو مجتمع يريد حكومةً كي تُديرُ شئونه و تُسير أموره و تديرُ قضاياه.
إنها قضية مقدسات أمةٍ أُغتصبت عزتها وهُدرت كرامتها و غُزيت في عقر دارها وكما قال عليٌ بن أبي طالب عليه السلام ( وقلت لكم أغزوهم قبل أن يغزوكم ، فو الله ما غٌزيَّ قومٌ في عقرِ دارهم إلا ذلوا ).
نعم لقد أسقطنا قُدسية القدس من مفهومنا وأسقطنا من خلال ذلك كل مفاهيم القداسة و العزة والكرامة والشهامة في مفهومنا وأصبحت ضمائرنا لا تُستثار عندما نشاهد إخوةً لنا يُذبحون و يقتلون وتمتهن كرامتهم فارتددنا على أعقابنا و أصبحت أوطاننا أكثر من وطنٍ فلسطينيٍ مغتصب فكل أوطاننا تعاني الإرهاب و القهر والفتك وشريعة الغاب التي تتحكم في مصائرنا و تحدد لنا البوصلة التي من خلالها نتوجه و نفكر.
لذا إن ما ينبغي الإلتفات له هو ما يلي:-
1- إن فلسطين ليست قضية شعبٍ يبحث عن أرضٍ كي يجري توطينه في بعض الدول العربية ، إنها قضية أرض مقدسة يجري اغتصابها كل يوم أمام أنظارنا وتحت مجاهر أبصارنا وبصيرتنا إن كنا لا زلنا نمتلك بصيرة تُمكننا من رؤية المستقبل المظلم الذي ينتظرنا في ظل تطبيع الواقع و الذي أصبح من الروتين الطبيعي والوجبات الثلاث التي نتذوقها صباحاً مساء فنرى ما يجري في فلسطين ولا نحرك ساكناً وكأن الأمر لا يعنينا كحكامٍ وشعوبٍ فقدت أدنى قيم العزة و الكرامة فنجد أن إسرائيل تغزو لبنان في حرب تموز وهناك من يؤيدها ويقدم الدعم في حربها.
إن محاولة توطين الفلسطينين في الدول العربية هي محاولة لإنهاء قضيةٍ إسمُها شعبُ فلسطين وأرض فلسطين وبالتالي تطبيع الوضع على أن إسرائيل هي واقع يجب التعامل معه بعيد عن أمر أسمه الفلسطينين بل وسوف يأتي أجيال من الفلسطينين ممن لم يعيشوا في فلسطين أو لم تعش فلسطين في ذاكرتهم فلم يعودوا يهتموا بمثل هذه القضية.
إن فلسطين هي مقدساتنا وكرامتنا وعزتنا وهي المسجد الأقصى وهي بقية المقدسات التي تحتضنها الأرض الفلسطينية وهي الدين والتاريخ وهي السور والسد الذي يحمي كل الكيانات العربية والإسلامية فإن سقط هذا السور فسوف تنهار كل الحدود والسدود التي تحمينا و سَهُلَ ما بعده من جُدرٍ وسدودٍ وتحصيناتٍ على الغرب في سبيل استعبادنا و تطويعنا وغزونا و تغيير هويتنا.
2- إن إسرائيل هي دولة أريد زرعها في الجسم العربي من قبل الغرب كي تكون البعبع الذي تخوف به العرب من أي نزعة للتحرر والإستقلال والتقدم والتطور و التغيير نحو الأفضل ولذلك يحرص الغرب على التفوق النوعي لإسرائيل عبر الدعم اللا محدود و إغذاقها بكافة انواع الدعم المادي والعسكري و غيره و ما صمت الغرب عن القنابل النووية الا مثال على ذلك ، بل و تضغط على إيران في المجال النووي كي تكون إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك تلك الإمكانيات في التكنولوجيا النووية دون منافس.
3- إسرائيل هي فيلق غربي متقدم في الدول العربية وهي العصا التي يلوح بها الغرب ضد العرب كي لا يخرجوا من بيت الطاعة الغربي وكي يتم تنفيذ كل المخططات الغربية من خلال سياسة الأمر الواقع وأن أوراق الحل بنسبة 100% هي بيد أمريكا والغرب وأن العرب لا حول و لا قوة لهم لذلك ينبغي التفاوض والخضوع لما يمليه ولاة الأمر الغربيون علينا.لذا فإننا إن لم نُمسكْ بزمام المبادرة في معالجتنا لقضايانا ولقضية فلسطين ، فلن يتم لنا إلا تضييعنا لكل ما نملك وما لا نملك وذلك عبر المراهنه على الغرب الذي يسعى إلى تحقيق مصالحه الغرب والذي لا يمكن له أو من المستحيل أن يبحث أو يسعى إلا لتحقيق مصالحه تحكمه في ذلك عصبيته و نظرته الدونية لنا ، و كما قيل سابقاً ما حك جلدك مثل ظفرك فتولى أنت جميع أمرك ، حيث لا يمكن للآخر الدفاع عنك كأنت.