عبدالله «10»

صرت أقرأ الأسماء في قائمة المرشحين للتطبيق...

داخلني الخوف...

لم أجد اسمي في الصفحات الأولى...

هل أكون قد نسيت مادة دراسية لم أدرسها في الفصل السابق...

أيعقل أن أكون قد رسبت في إحدى المواد...

هل سأدرس فصلا آخر... سأتأخر...

كنت قلقاً...

أوشكت على إنهاء قوائم الأسماء... حتى.... وجدت اسمي... عبدالله...

هذا هو اسمي...

قرأته مرة ثانية وثالثة... نعم هذا اسمي... الحمد لله لقد انتهت فترة الدراسة وما رافقها من مصاعب...

تهلل وجهي فرحاً... حمداً لله...

قلت له: نعم كانت مسيرة دراسية صعبة... أتمنى أن تكون فترة التدريب فترة خالية من المصاعب...

ابتسم عبدالله وقال: نعم كانت كذلك فترة هادئة مليئة بالحيوية والنشاط... ولكن في وسط فترة التدريب حدث لي موقف أقلقني...

قلت: ما هو هذا الحدث؟

قال عبدالله: دعني أخبرك عن بداية التدريب أولا..

قلت: هيا تفضل...

قال عبدالله: بداية التدريب تحدده الكلية وبما أننا تخصص هندسة فسيكون تدريبنا في شركة سابك أو إحدى الشركات التابعة لها...

وجدت اسمي ضمن الطلاب الذين سيتدربون في شركة شرق التابعة لشركة سابك... سررت كثيراً بهذا التوجيه إلا أن هناك مشكلة جديدة لابد من حلها

سألته: وما هي المشكلة؟

قال: المشكلة أنني لا أملك سيارة... أحتاج أن أبحث عن أحد الزملاء ممن لديهم سيارة...

فكان كفاح الخاطر هو الحل لهذه المشكلة... سيما أنه سيتدرب معي في نفس الشركة... تحدثت معه... فلم يمانع.. رحب بي وصرت أذهب معه للشركة...

في اليوم الأول عندما ذهبنا للشركة تم استقبالنا في المبنى الرئيسي في شركة سابك... دخلنا المسرح وكان استقبالا إيجابياً... تم تسليمنا مجموعة أوراق هي في الواقع عقود التدريب لمدة ثلاثة أشهر ونصف وفي نهاية العقد مستطيل تكتب فيه حسابك البنكي «الآيبان»... ستكون لنا مكافأة شهرية بمبلغ 2000 ريال...

تهلل وجهي فرحاً... قلت هذه بداية الخير... التدريب في هذه الشركة سيفتح لنا باب التوظيف إن شاء الله... وهذا الراتب سأشتري به ما أحتاج...

توجهنا إلى مركز التدريب وحضر معنا المهندس عيسى ضويعن حيث سيكون هو المدرب خلال هذه الفترة... وهذا الرجل يستحق التقدير والاحترام فقد كان شخصية داعمة للطلاب... مدرب، مرشد، مشجع... هو شخصية إيجابية «جزاه الله خير»

بقينا مع المهندس عيسى فترة شهر ونصف تدريب نظري وفي نهاية كل أسبوع كان يتطلب منا كتابة تقرير عن التدريب وتسليمه للمشرف في الكلية بعد أن يوقع عليه المهندس عيسى...

في أحد الأيام قال لنا المهندس عيسى اليوم سيكون Shut down في المصنع وهذه فرصة لكم لتتعرفوا على المصنع...

وهذا ما حدث دخلنا المصنع فرأينا عالم آخر من المعدات المختلفة في الحجم، سرحت بعض الوقت أفكر في العمل في مثل هذا المصنع وفي أي جزء ستكون وظيفتي...

في يوم آخر من أيام التدريب قال لنا المهندس عيسى يمكنكم اليوم الصعود إلى الشعلة gas flare... صعدنا الشعلة فكان المنظر مهيب... أنت في الأعلى وترى تلك المساحة الشاسعة من المصانع... لا أخفيك أني كنت خائفًا من هذا الارتفاع...

وحدث ما كنت أخشاه...

سألته: ماذا حدث؟!

ابتسم عبدالله وقال: لا تخف لم أسقط... لم يغشى عليّ...

قلت ضاحكاً: الحمد لله فماذا حدث لك؟!

أجب عبدالله: عند نزولي من الشعلة شعرت بالتعب... شعرت بأن السكر في حالة هبوط... صرت أتصبب عرقاً... لمحني أحد المهندسين فجاء وسألني: ما بك... أرى عليك علامات التعب...

قلت: نعم أشعر بالتعب... وربما هذه حالة هبوط السكر...

ما إن سمع المهندس كلمة هبوط سكر... نظر إلي متعجباً وقال: أنت مريض سكر؟!

قلت: نعم...

سألني منذ متى؟!

قلت: من أكثر من 7 سنوات...

قال: كيف تخصصت هندسة... كان أولى بك أن تتخصص إدارة... كيف الكلية خصصتك هندسة للعمل في هذه المصانع؟!

نظرت إليه متعجباً... قلت في نفسي: ماذا تقول أنت... أنا الآن في نهاية التدريب... لم يبقى سوى شهر أو أكثر وأتخرج...

ذهب المهندس عني... وتناولت بعض الحلوى لأرفع السكر... وجلست قليلا... ولكن... داخلني الخوف... ماذا سيعمل هذا المهندس هل سيرفع تقرير عني ويخبر الكلية بأني مريض سكر... هل سيوقف تدريبي في المصنع... بقيت أفكر في هذا الموقف... حتى نهاية الأسبوع عندما سلمت التقرير الأسبوعي للمشرف في الكلية ولم يتكلم معي حول حادثة هبوط السكر... قلت الحمد لله... انتهت هذه المشكلة...

ولحسن حظي أنه في نهاية التدريب تم تحويل تدريبنا إلى الفترة المسائية لمدة 3 أسابيع فكانت فترة هادئة... وهكذا مرت الأيام وانتهينا من التدريب... كانت فترة غنية بالدروس والذكريات الجميلة...

ها قد وصلنا ليوم التخرج... اليوم الذي استلمت فيه الوثيقة... فكان يوماً لا يمكنني أن أصفه بكلمات... لقد تخرجت رغم كل الظروف الصعبة... لقد تخرجت بعد تلك التحديات... نظرت للكلية ولكل زاوية فيها ودمعت عيني وقلت: لقد صقلتي شخصيتي...

قلت: الحمد لله... تجربة جميلة... والآن وصلنا للمحطة الآخيرة... محطة الوظيفة...

قال عبدالله: نعم الوظيفة... الكلية لها دور في توظيف الطلاب... فهي تأخذ السيرة الذاتية للطلاب وتتواصل مع الشركات وبعدها تتم المقابلات...

من الشركات التي حضرت للكلية شركة بيكر هيوز وتم استقبال جميع الطلبات وتم الاجتماع مع الطلاب وكنت ضمن الطلاب الذي تم استلام طلبي... ثم قال موظف الشركة سيكون هناك اختبار ومقابلة معكم في مقر الشركة...

تم تحديد موقع الشركة واليوم المحدد...

ذهبت مع كفاح الخاطر للشركة... وتم الاختبار وكان سهلاً... وتم تعريفنا على مكاتب الشركة وطبيعة العمل... فقلت هذه بشارة خير...

بعد أيام اتصل بي كفاح وقال لقد اتصلت بي الشركة وقالوا أنهم قبلوني... هل اتصلوا عليك؟

قلت: لا... لم يتصلوا....

بعد الاتصال بالشركة عرفت أنهم لم يقبلوني... قلت في نفسي «كل واحد ياخذ رزقه»

وبدأت مرحلة التقديم والبحث عن وظيفة... أذهب للشركات... أقدم لها ملفي... أنتظر... أنتظر...

كان معي كتيب فيه معلومات وعناوين عن الشركات المختصة والتي لها شأن بتخصصي... فصرت أرسل لهم السيرة الذاتية مع الشهادات عبر البريد الإكتروني... وأنتظر إتصالهم...

ذات ليلة كنت جالس مع الأصدقاء فقال أحدهم هناك توظيف في البريد السعودي... لماذا لا تقدم أوراقك... التقديم أون لاين... هيا قدم...

كنت محبط... ما دخل البريد السعودي بتخصص هندسة كهروميكانيا؟؟؟!!

قلت: وهل لديهم وظيفة تناسب تخصصي...

قال: ابحث... لعلك تجد وظيفة تكون قريبة من تخصصك....

بحثت في الوظائف... حتى وجدت وظيفة مشغل أنظمة... قلت هذه أقرب وظيفة لتخصصي... وقدمت على هذه الوظيفة...

قلت: هل اتصلوا عليك؟!

قال عبدالله: لا... فكنت أعيش حالة من الاحباط... سيما أن جميع دفعتي قد توظفت في شركات بترولية... في إحدى الليالي اقترح أحد الأصدقاء أن نذهب لسوريا...

قلت: سوريا.... دمعت عيني...

قال عبدالله: نعم سوريا... لماذا اغرورقت عيناك بالدموع...

قلت بصوت مبحوح: سوريا وما أدراك ما سوريا... ذكريات... وذكريات السيدة زينب ...

قال عبدالله: طالما أنت تحب سوريا دعني أكمل الحديث وآخذك معي لسوريا الحبيبة...

نعم يا صديقي... اتفقنا أن نذهب لسوريا لمدة 10 أيام أنا مع مجيد آل ناس ومحمد عرقان... وكنت أحتاج لفترة راحة وتغيير جو... حولت جوالي إلى وضع «دولي» تحسباً لأي اتصال...

ذهبنا مع باصات السالم vip... وكما هو معروف فإن سوريا هي بلد سياحي جميل تناسب الجميع الغني والفقير...

ركبنا الباص... كان معنا عائلة مكونة من رجل «الحجي أبو حسن» وزوجته ووالدته الكبيرة في السن «أم علي» ومعهم فتاتين... تستغرق الرحلة بالباص مدة 20 ساعة... لكنها كانت ممتعة... طوال تلك الساعات كنا نسمع أحاديث العوائل... وكانت الحجية أم علي بين فترة وأخرى تسأل: هل اتصلتم على بيت الخضرة «علشان» نسكن معهم... فتجيبها إحدى الفتاتين نعم... اتصلنا وحجزنا شقة...

حتى وصلنا لحي السيدة زينب ... لاحت لي منارة الحرم... سمعنا صوت الصلوات والجميع يقول الحمد لله على السلامة...

وصلنا للكراج... جاء أحد الرجال السوريين... استقبله الحاج أبو حسن: أهلا بك ابو زهير...

أجابه أبو زهير أهلا بك حجي... كيفكم وكيف الحجية... يللا الشقة جاهزة...

قلت للاصدقاء لماذا لا نسأل أبو زهير إن كانت عنده غرفة مناسبة لنا...

سألنا ابو زهير عن شقة...

قال أبو زهير: نعم عندنا شقة في بيت الخضرة مع الحجي أبو حسن...

ذهبنا للشقة... نظرت لليسار... قال مجيد... هذا شارع التين....

للقصة بقية

أخصائي التغذية العلاجية