أين نحن الآن !! ؟
من المؤسف جداً أن يلجأ البعض إلى التخندق خلف السياقات القبلية ، والمناطقية ، والطائفية . بل ويعمل جاهداً من أجل تكريس هذا الشعور في داخل مكونات سياقه الذي يحتمي به ، ويعتبره السد المنيع ، والحصن الرفيع ، الذي يحميه من جور وأطماع مكونات السياقات الأخرى ( على حد زعمه ) ، وهو بهذا السلوك الدفاعي الإحتمائي قد ساهم دون أن يعلم ، أو يعلم – لست أدري – في التشظي الإجتماعي ، الذي تكون نتيجته الطبيعية هي الوهن الإجتماعي ، ونقص الإنجازات ، وغياب اللحمة الوطنية ، وقفز شعور ( الأنا ) على الشعور بالنّحنْ ، كما وصفه الدكتور : فاخر عاقل ، في كتابه القيِّم ( علم النفس ) .
ربما قال أحدهم إن هذا السلوك ليس له ذنب في تكوينه ، أو بلورته على الجسد الإجتماعي ، لأنه بمثابة إنعكاس إلى الموروثات الإجتماعية وتجلياتها على الواقع المعاش ، وأنه لا يملك حولا ولا قوة في تغيير هذا الواقع ، أو تحطيم قوالبه الإصطفافية التي باتت قدراً محتوما يطوِّق عنق من أراد البقاء !! كما أنه يسأل : ما الفائدة المرجوة من تبني الشعور بالنحن ، إذا كانت السياقات الإجتماعية الأخرى تنتهج هذا النمط من التكتل الإجتماعي أو ذاك ، وتحاول جاهدة عبر كافة الوسائل المتوفرة أمامها أن تعزله في زاوية ضيقة ، وتحاول قطع كل الإمدادات التي تصل إليه ؟
إننا نرى اليوم – إلاّ ما ندر – أن الإنتماء إلى الثقافة الفرعية قد تحول إلى هوية مميزة لأتباع تلك السياقات الإجتماعية على حساب الهوية الأم ، وهي الأكبر والأشمل والأفضل ، حتى إذا حدث مكروه لأي سياق حتى ولو كان في داخل ذات المنطقة ، لا ترى ذلك الحماس ( الغير رسمي ) الذي يهبُّ للعون والمساعدة ، وكأن ذلك المكروه قد حدث في غير ذي القربى . صمتٌ مطبق ، واللامبالاة سائدة ، وإهتمامات للسياق خارج إطار الحدث !! بل ربما تجد من يعزّز حالة التشظي تلك ، من خلال التعتيم على الحدث ، وصرف أنظار أفراد جماعته الإستقطابية إلى أمور أخرى ليست بذي بال على الخارطة الإجتماعية .
إنّ هذا التمترس الإجتماعي والثقافي للهويات الفرعية على حساب الهوية الأم ، بهدف كسب أكبر قدر من المكاسب الزائفة ، وتكريس القوة ، والهيبة ، لهذا السياق أو ذاك ، في مواجهة السياقات الأخرى ، لهو سلوك مشين ، تحت أي ذريعة كان ، لأنه إغتصاب غادر للحقوق العامة التي هي ملك للجميع في إطار النظام العام الذي يجب أن يخضع له كل من يعيش على ثرى هذا الوطن العزيز دون تمييز .
من أهم آليات تعظيم ثقافة المواطنة في مقابل الثقافات الفرعية ، هي مشروع الحوار الوطني الذي بدأ بمبادرة ( سامية كريمة ) بهدف تعزيز القواسم المشتركة للثقافات الفرعية على أرض الوطن بما يعود بالنفع والخير على البلاد والعباد ، ويقطع دابر الفتنة التي يحاول أعداء الأمة إشعال فتيلها ما إستطاعوا لذلك سبيلا ، ويساهم في ترسيخ القناعة في التخلي عن ثقافة الإقصاء ، أو تشويه الآخر ، فقط لأنه آخر ، ويمنح لكافة الأطياف " جواز سفر دبلوماسي غير محدود الصلاحية " للدخول إلى " المصلحة العليا للوطن " من بوابته الواسعة ، ويوفر أرضية صلبة مشتركة يقف عليها الجميع بثقة وأمان . فأين نحن الآن من كل ذلك يا أيها الأحبة ؟؟