السيد الحكيم.. السجن واستثمار الفرص
عُرف عن أسرة آل الحكيم تاريخها العلمي والجهادي الذي جعل من حكومة البعث تضيق ذرعاً من أفراد العائلة والعمل على تصفيتهم والإجهاز عليهم وملاحقتهم الواحد تلو الآخر، ومن بين أفراد هذه العائلة المرجع الديني المعاصر آية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (1934م - ...) حفيد الإمام السيد محسن الحكيم من جهة أمه الذي يعد اليوم ركناً مهماً من أركان حوزة النجف الأشرف.
فقد مرت شخصية السيد الحكيم بمعاناة كبيرة تمثلت في اعتقاله من قبل النظام البعثي البائد عام 1983م ولمدة ثمان سنوات تلقى فيها صنوف التعذيب وإعدام ستة عشر فرداً من عائلة الحكيم في سجن أبي غريب المعروف، إلا أنه جعل من الاعتقال فرصة للنتاج العلمي وممارسة الدور الديني والتبليغي داخل السجن. فقام بتدريس البحث الخارج في الفقه والأصول، وأخذ يلقي المحاضرات التوجيهية والأخلاقية ويؤلف عدد من الكتب الفقهية مستثمراً بذلك ابتعاد أعين الرقابة العسكرية عن الزنزانات خشية إصابتهم بالأمراض المعدية التي بدأت تتفشى في أروقة السجن.
وبعد إطلاق سراحه رغبت السلطات البعثية الحط من مرجعية الحكيم وهز ثقة الناس في المرجعية من خلال محاولتها إجباره للقبول أن تكون مرجعيته المرجعية الرسمية للسلطة ، إلا أن السيد الحكيم بحكمته وحنكته رفض ذلك مبدياً رأيه الصريح بضرورة استقلالية المرجعية عن السلطة ما نتج عن ذلك الرفض مضايقته رسمياً ومنع مؤلفاته من الانتشار وإيقافه عن إمامه المصلين في الصحن الحسيني عند زياراته ليالي الجمعة.
ويمارس الحكيم اليوم إلى جانب دروسه الحوزوية الإرشاد والتوجيه لعامة الناس والساسة والأكاديميين الذين يتوافدون على بيته في مختلف الأوقات والمناسبات بتوجيهات دينية وسياسية لبناء الفرد والمجتمع والدولة وتقوية بيضة الإسلام والتشيع.
فالمتابع لإرشادات آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم - حفظه الله- يلحظ تركيزه على ضرورة السعي لخدمة الناس والتآلف بينهم وإشاعة المحبة والإيثار ليكونوا جسداً واحدا. كما يركز وبشكل مستمر على الحفاظ على الشعائر الحسينية والهوية الشيعية والالتزام بالدين وتعليمات أهل البيت التي تدعو لتنظيم علاقة الفرد مع الخالق والناس واستخدام الأساليب المتعقلة في الحوار والدعوة إلى الأفكار لإنتاج نقاشات مثمرة تصب في مصلحة الجميع.
ويرى المرجع الحكيم ضرورة استخدام الوسائل السلمية للمطالبة بالحقوق والتي منها حق ذوي الشهداء والمحرومين في العيش وتخفيف معاناتهم وفقرهم، حيث يؤكد في استقباله للمسئولين على طرح هذا الموضوع ودعوته من جهة أخرى للاهتمام بثقافة المجتمع والانتباه للمناهج الدراسية التي فرضتها الأنظمة السابقة والتي تبتعد عن ثقافة المجتمع. حيث أبدى تخوفه وفي رسالة له موجهة للشعب العراقي - منشوره بموقعه على الإنترنت- من التحول الذي يعيشه العراق بما يحمل من ثقافة دخيلة لا تتناسب والقيم الإسلامية والوقوف أمام ذلك بتحمل الجميع المسؤولية للحفاظ على المفاهيم والقيم وخص بذلك الطبقة المثقفة الواعية وعلى الأخص التربويين منهم.
وإلى جانب توجيهات آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم في الحقول المختلفة، ينشط مكتب المرجعية من خلال قسم التبليغ في مدينة قم ومؤسسة الحكمة الثقافية بأنشطة عديدة تتجه نحو متابعة حركة المبلغين وإرشادهم والتواصل مع الفاعليات والأنشطة في المجتمع العراقي وإقامة الدورات الموجهة للطلبة المغتربين عبر الدورات والمحاضرات التثقيفية وأنشطة أخرى في الدول الأوربية والباكستان وأفغانستان. إضافة لاستضافة ورعاية الزوار في مواسم الزيارة إلى العراق من مختلف الجنسيات، وإقامة الدورات التأهيلية لمعلمي الدورات الصيفية للأطفال في محافظة ذي قار.
كما إن للمكتب نشاط في أصفهان الإيرانية شمل تأسيس أكثر من عشرين مكتبة وإعادة فتح وتهيئة المكتبات المهجورة وإرفادها بالعديد من الكتب مع الاهتمام بالجانب النسائي المتمثل في إعداد المبلغات وتوجيههن لبث المعارف في المساجد الرئيسة والمهمة.
وللمرجع السيد الحكيم مجموعة رسائل طبعت في كراسات منها: رسالة موجهة للمغتربين، رسالة موجهة للمبلغين وطلاب الحوزة العلمية تطرق ضمنها إلى المقومات الأساسية للمبلغ والأدوار المناطة به وبالمرجعية الدينية وأداء مهامه التبليغية بحالة من الحكمة والتروي في اتخاذ القرارات، ورسالة توجيهية إلى المؤمنين في جمهورية آذربايجان والقفقاس، مضافاً إلى رسالة توجيهية إلى حجاج بيت الله الحرام ورسالة موجهة للشعب العراقي.
فمتى ما استطاع مراجع الدين التواصل مع مقلديهم وأبناء مجتمعاتهم وخارجها بالمحاضرات والكراسات والكتيبات التثقيفية والتوجيهات الفردية للزائرين، فإنهم يكونوا بذلك قد أسهموا في ضخ الوعي الديني وفق المتغيرات الجديدة وفتح باب التواصل المباشر بين المرجعية والجمهور، واستطاع الناس الاهتداء لآراء مراجع الدين وتنظيم أطروحاتهم الفكرية والدينية.
ودعوتنا في نهاية هذه القراءة لشخصية المرجع الحكيم دام ظله أن يساهم المقربون من المرجعية في نشر المحاضرات المسجلة وكتابة التوجيهات القيمة التي يلقيها في نشرات أو كتيبات صغيرة ليستفيد من هديها عموم الناس.