أرجوك دعني وشأني !!
دعني وشأني ، ولا تسأل عني ، ودع عنك معسول الكلامْ ، واشعار التمنيْ ، فورودي الذابلات تفتّحتْ ، وعطوري المُهملات تراقصتْ ، فرحاً وابتهاجاً لزوال همي . الذي هو أنت ولا أحد سواكْ . !! ( الشاعرة : إلهام زكي خابط ) .
لا أستغرب على الإطلاق هذه الصرخة المدوِّية الممتلئة بالرغبة الغاضبة الجامحة في الإنفكاك من قيدٍ أدمى المعصم ، وكابوس جاثم على الصدر ، وعبث يهدر الوقت ويستهلك الطاقة . وممارسات تستفز الضمير الحي . أعتقد لو أنك سألت معارفك عن معاناتهم التي تنيخ بهم لأجابوك بقائمة طويلة عريضة مكتظة بالمعاناة لم تخطر لك على بال .
منهم من يعاني من صدود صديق ، ومنهم من يتذمر من نكران الجميل من أقرب الناس إليه قد تكون زوجة ، زوج ، أخ ، أخت ، إلخ ... ، ومنهم من يتألم من إجحاف مديرأو مرؤوس إن كان هو في سُدة المسؤولية ، ومنهم من يكتوي بعقوق إبن ، ومنهم من هو متأذياً من سوء تعامل الجيران ، ومنهم من ضاق ذرعاً بنزق زملائه في بيئة العمل ، أو بعض أفراد أقاربه ، أو مجتمعه ، وغيرها من المعاناة المتعددة المصادر التي لا تنتهي .
ربما تهدينا هذه المعاناة خبرات إجتماعية لم نكن نحلم بها لو لم نمر بهذه التجارب المريرة ، فكما يقول الحكماء : إن الإنسان يعيش عمرين ، عمرٌ للتجربة ، وعمرٌ للتعلم من التجربة ، كما أن " التجربة مشطٌ يُعطى إلى الإنسان بعد أن يفقد شعر رأسه " . إنما من ذا الذي يتحمل المعاناة النفسية الواحدة تلو الأخرى ؟ وحتى إن أراد التحمل ، من أين يأتي بالصبر وهو مر المذاق إلاّ من أُوتي الحكمة ، أو كان يعاني من علّة تحول بينه وبين الإنفكاك أو الهروب من النار الحارقة التي تستعر بين الأضلع وتلتهم الأحشاء .
أعلم جيداً إنه يصعب على البعض أن يُعلن عن رغبته في التخلي عن علاقة ما ، ولكنّ الإستمرار في علاقة خاسرة أكثر مرارة وحسرة ، قد نعاني في بداية الأمر من ألم إتخاذ القرار ، ونفقد بعضاً من صحتنا ، و تخيِّم على حياتنا سحابة سوداء كئيبة ، ونشعر بالرغبة في العزلة والإنزواء عن الحياة العامة – ربما هرباً من عيون الشامتين – ولكن يجب أن ننظر لهذه المرحلة بأنها مؤقتة لا تلبث أن تزول بمرور الوقت وتقادم الحدث ، كما يلزمنا عدم وضع الآلام النفسية والجسدية التي ربما تكون مصاحبة لقرار الإنسحاب في مربع إعتلال الصحة ، بل يجب أن نعطيها معنى إيجابياً بالنظر إليها " كآلام الشفاء " التي نشعر بعدها بموفور الصحة والعافية ، ونستعيد على إثرها حريتنا الشخصية ، وقرارنا المخطوف تحت عنوان زائف أثبتت التجربة عدم جدواه .
إرحم نفسك يا عزيزي ، لأن الله معك ، والناس الطيبين هم كُثر من حولك . لا تأسف على من فرّط في مودتك ، ولم يراعي طيب سريرتك ، هناك من البشر من يجد المتعة في معاناة الآخرين ، ويجيد ممارسة السلوك السّادي . المهم أن لا تكون أنت " مازوخياً " وتتلذذ بتعذيب ذاتك من أجل من لم يصونها ولم يقدِّر مكانتها . لقد حان الوقت أن تُعلن عن قرارك الذي قد تأخر كثيراً دون مبرر يُذكر . تحياتي .