مجتمع بلا خارطة طريق
في العام 1995 م، وضع رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد خطة لتطوير ماليزيا أطلق عليها رؤية 2020 Vision 2020 . نحن الآن في العام 2010 م وماليزيا سائرة على سكة التقدم التي ستتجاوز الرؤية الموضوعة كما أظن.
المجتمعات الحية تعيش في المستقبل، أما الراكدة فهي مشغولة بالماضي، تفخر بمآثره العتيدة التي لن يستطيع أحد أن يأتي بمثلها، وتجتر مشاكله وخلافاته لتعيد إنتاجها إلكترونيا وفضائيا قبل أن تنتهي صلاحيتها.
المجتمعات الحية تمتلك خارطة طريق تفصيلية توصلها لما تتطلع إليه من رؤى لتشهدها متحققة على أرض الواقع، بينما أختها الراكدة تعيش بالبركة كما يقولون، لا خارطة ولا يحزنون. تقوم بإنشاء طريق مثلا ثم تكتشف بعد الانتهاء منه أنه يحتاج لمسارات إضافية، وبعد إضافة المسارات الجديدة تكتشف أن الطريق يحتاج نفقا هنا وجسرا هناك، وهكذا تعيش بالتجربة والخطأ كأن ما تريد عمله يحدث للمرة الأولى في العالم. والأمثلة على ذلك كثيرة لا حصر لها ابتداء من لوحات السيارات وليس انتهاء ببطاقة الأحوال.
المجتمعات الحية تعرف أولوياتها بدقة، الأهم فالمهم فالأقل أهمية، وبالتالي تصرف معظم وقتها وطاقاتها في الأمور الهامة ذات المردودات العالية على المدى البعيد، بينما تنشغل المجتمعات الراكدة باليومي والعاجل وبالقضايا الهامشية التي تجيد اختراعها.
المجتمعات الحية ترى في التنوع والاختلاف ثروة وطنية ينبغي المحافظة عليها، في حين تراها المجتمعات الراكدة وباء يجب استئصاله.
المجتمعات الحية تحتفي بالأفكار والبرامج، أما الراكدة فيأسرها بريق الأشياء والأشخاص. عندما يصدر كتاب مثلا في مجتمع حي فإن قيمته يحددها محتواه من خلال القراءات الفاحصة والناقدة، وعندما يصدر في مجتمع راكد فإن التركيز يكون على شكل الكتاب وحجمه، وتتحدد قيمته بناء على شخص الكاتب وانتماءاته المختلفة.
المجتمعات الحية تسعى للتفاعل والتثاقف والتوحد مع غيرها حتى تحافظ على ديناميكيتها وحيويتها، أما الراكدة فهي مشروعات للتشظي والتمزق الداخلي ولأتفه الأسباب، هي مرشحة لاستقبال العذاب الموعود في الآية الكريمة ( أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ).
قد تسألني: هل مجتمعنا المحلي حي أم راكد؟
أقول: وكم سائل عن أمره وهو عالمُ. أو كما قال المتنبي:
نحن أدرى وقد سألنا بنجد أقصير طريقنا أم يطول
وكثير من السؤال اشتياق وكثير من رده تعليل
وردي سيكون مجموعة من الأسئلة تسوق الإجابة عليها للجواب المطلوب:
- ألسنا نتفق في مجتمعنا المحلي على أننا نعاني من مشكلة اسمها التمييز الطائفي؟
- ما هي رؤيتنا أو رؤانا لحل هذه المشكلة؟
- كم أنفقنا – كمجتمع بمختلف شرائحه وأطيافه – من وقت مشترك وغير مشترك لتدارس هذه المشكلة والخروج بتوصيات أو قرارات أو غيرها؟
- هل لدينا خطة طريق توصل إلى هدف الخلاص من التمييز الطائفي؟
- ما هي نسبة انشغالنا بقضايا هامشية على حساب القضايا الرئيسية؟
الإجابات ستقود حتما إلى الجواب الذي لا يمكن تفاديه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بعد ذلك: أين الخلل؟ لماذا استمرأنا واقعنا المتخلف وأصبحنا من حيث نشعر أو لا نشعر جزءا منه؟