معاق في السعودية
موضوع ذوي الاحتياجات الخاصة، أصبح ذو أولوية كبيرة في المجتمعات النامية، ودول العالم الأول التي تسعى دائماً إلى الرقي بشعوبها، بمختلف أعمارهم، وبتباين أجناسهم وبمختلف حالاتهم الصحية؛ ليصلوا إلى أعلى مراتب النجاح والتطور؛ لأنهم يعوا بأن إحساس الشخص بالمساواة بينه وبين أقرانه من الخلق، واستشعار حالة الأهمية من قبل المجتمع والدولة توقع على كاهله مسؤولية العمل والاجتهاد في سبيل رفعة هذا المجتمع بالقدر الذي يستطيع.
حسب الإحصائية المدرجة من قبل منظمة العمل العربية، هناك 20 مليون معاق في العالم العربي، و720 ألف منهم في السعودية، وفي كل عام يولد بين 400 إلى 500 طفل معاق في السعودية. وهذا الرقم يعتبر للوهلة الأولى رقماً ضخماً، يصعب التعامل معه من ناحية توفير الخدمات والمراكز والتسهيلات التي هي أبسط حق من حقوق المعاق. ولكن لنقارن هذا الرقم بالمعاقين في الصين، الذين وصل عددهم إلى 80 مليون معاق حسب الإحصائيات الرسمية أي أكثر من عدد المعاقين في العالم العربي كله بما يقارب 60 مليون معاق، أي ما يناهز الثلاثة أضعاف. ولكن، الفرق يُحسب لصالح الصين، فهي قد وضعت لها هدفاً يتعين تحقيقه عام 2015 يرمي إلى توفير خدمات نقاهة وتسهيلات معيشية لجميع المواطنين من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويشير التقرير الذي عرضته قناة الجزيرة بتاريخ 1392008
إن مع نهاية عام 2007 هناك ما يربو إلى 3000 مركز لتأهيل المعاقين وهو الآن أكثر بأضعاف هذا الرقم، ويشير التقرير إلى أن مدينة بيجين الصينية قد عملت خطوط في جميع شوارعها لكي تسهل على الكفيف قضاء حوائجه دون الحاجة لمساعدة أحد، وقد قامت برصد ميزانية تقدر بحوالي 86 مليون دولاراً لتأهيل الوسائل الخاصة لذوي الاحتياجات الخاصة وهذا نموذج بسيطاً فقط، وهنالك الكثير من النماذج التي تعبر عن حالة الاهتمام بموضوع ذوي الاحتياجات الخاصة.
فعلا يصاب المرء بالصدمة حينما يرى التقدير والسعي الدؤوب في خدمة ذوي الاحتياجات الخاصة في البلدان الأجنبية ثم يرى الواقع المحلي في بلادنا للأسف الكفيف ليس باستطاعته شراء حاجياته الشخصية بدون مساعدة أحد، وليس باستطاعته المشي بضع خطوات لوحده في أي مجمع تجاري، أو مطار! بسبب عدم وجود خطوط مخصصة للمكفوفين! في بلادنا المقعد يدخل للمنشآت الرسمية محمولاً على الأكتاف، لعدم وجود ممر مهيأ لعبور عربات المعاقين، في بلادنا المعاق لا تتوفر له الفرص الكافية لإتمام دراسته الجامعية وفق طموحاته ورغباته. فلما لا تخصص ميزانية ضخمة لاهتمام أكثر بذوي الاحتياجات الخاصة؟ وإنشاء المنشآت التعليمية المتطورة لخدمتهم؟ ولا أقصد بذلك المنشآت التعليمية التقليدية، فهناك سلسلة مدارس عالمية تدعى «مدارس شتاينر» يبلغ عددها 1500 مدرسة بالعالم تعنى بموضوع دمج المعاقين بالمجتمع، وهي تعتمد منهج ألماني، يتكون من محاور ثقافية وتربوية بأسلوب معالجة عصرية تعتمد على تفعيل الحواس الإنسانية، كالفكر والإحساس والجسم، عبر استخدام الفن بشتى فروعه كالرسم والمسرح والإيقاع. فلماذا لا نرى في بلادنا فرعاً لمثل هذه المدرسة العالمية وغيرها؟
الأمم الناجحة هي التي تسعى إلى بناء الإنسان، والاستفادة من طاقاته وإمكاناته مهما ضؤلت، وذوي الاحتياجات الخاصة يمثلون جزءاً لا يتجزأ من المجتمع، وإعطائهم حقوقهم ودمجهم في المجتمع سيزيد من قوة البلد العلمية وسيدفع بعجلة التطور إلى أوجها وهم ليسوا بحاجةً إلى شفقة أو رأفة من احد بقدر الحاجة لإتاحة الفرص وتوفيرها لهم وسيتفجر الإبداع المكنوز داخل سريرة كل واحد منهم.
لم تكن الإعاقة يوما إعاقة لجسد أو لعقل الإعاقة الحقيقية هي الإعاقة القابعة في نفس الإنسان والتي تمنعه من الاجتهاد والإبداع وتحثه على الكسل والتقاعس.
وفي الأخير أقول إلى كل من شاءت مشيئة الله أن يفقدوا أي قدرة جسدية أو عقلية: أنتم لستم معاقين، ولستم ناقصين، بل نحن الناقصون والمعاقون، لأننا امتلكنا المقدرة والاستطاعة، لكننا لم نملك الصبر والطموح والإبداع الذي تملكونه والذي يجول في أعماق أنفسكم الطيبة.. تحية من القلب إلى القلب.