ضرورة إعادة المعايير الشرعية لقيادة الساحة الثقافية
قال تعالى: ﴿ الم ترى كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة الدنيا وفي الى خرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ﴾
بالتمعن في القرآن الكريم والأحاديث النبوية وروايات أهل البيت نجد أن هناك اهتماماً كبيراً للكلمة. فالكلمة هي عنوان للعقيدة والثقافة، سواءً أكانت مقروءة أم مكتوبة. فبالكلمة يعبر الإنسان لأهله ومحيطه ومجتمعه وللعالم عن حقيقته. فالكلمة تكشف عن ما في باطن الإنسان.
فلذا أولى القرآن الكريم الكلمة عناية خاصة ونحن كمسلمين مسئولين بأن نتكلم بما يكون مرآة لشرع الله وللإسلام.
يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
فالقرآن نهى عن استعمال مصطلح «راعنا». فالمعنى اللغوي لهذه الكلمة هو طلب الرعاية من الله عز وجل ولكنها أًحيطت بمعاني تخالف الحقيقة من قبل اليهود والنصارى، فأمر القرآن باستعمال «انظرنا». فاللكمتين المعنى نفسه ولكن القرآن نهى عن المصطلح الأول وسمح بالثاني.
لقد حصن القرآن والروايات ثقافة الإسلام بحسن الكلمة وجمالها، فلا يمكن أن نبني ثقافة سليمة بدون أن تكون كلماتنا مبنية على أصول إسلامية متينة.
المصطلح هو مخزون فكري يحمل بداخله على مجموعة من المبادئ يتم استخدامها كركيزة في الجانب الثقافي. فلا مفر أن ندقق في بحر المصطلحات التي تهب علينا من كل جانب حتى نعي ما تحويه من مبادئ ومفاهيم.
يمر المصطلح بخمسة مراحل تكوينية
1. التكوين والتصميم:
فهناك من يقول أن المصطلحات تصمم بإرادة إنسانية وهناك من يقول أنها تصمم بعفوية. فمن يقول بالتصميم المسبق يقول بنظرية المؤامرة والواقع أنه لا فرق بين إن كان هناك مؤامرة أم لم يكن فالنتيجة واحدة فهناك حقيقة وهي أن جميع المصطلحات ليست بريئة بل تحمل ورائها حقائق ومفاهيم يجب أن ندركها.
فسواء أكان المصطلح صمم على نحو التعيّن أو التعيين، صدر من مجموعة أم صدر بالطبيعة فالأمر سيان.
2. تحسين المصطلح أو تقبيحه.
3. إرساء المصطلح في جانب معين:
فمثلاً مصطلح الإرهاب لم يكن يستخدم قبل ثلاثون سنة في الموارد المنطبقة عليه وهذه الأيام لا يستخدم إلا في الجانب الإسلامي فقد تم تخصيصه في هذه الفئة بعينها.
4. استبدال المصطلحات الدينية القرآنية بهذه المصطلحات المصطنعة:
بحيث تصبح المفاهيم الجديدة هي مفاتيح التعامل بين الناس، وتهمش المصطلحات الدينية والقرآنية. فعلى سبيل المثال، مصطلح اللواط هو ينطوي على معنى قبيح وحالة مرضية يجب انتشالها. وقبل سنيات تم تغييره إلى الشذوذ الجنسي ثم غًير إلى المثليين. وقبل فترة دُعيت مجموعة من العلماء المسلمين في بريطانيا لحل هذه المشكلة. فاعتبروا أن المشكلة عند الإسلام في عدم قبوله للمثليين وليست عند المنحرفين فأصبح الخروج عن الطبيعة ومواجهتها حقيقة وأصبحت الشرائع مطالبة بأن تعيد ترتيب نفسها.
5. تحويل هذه المصطلحات إلى أصول ومقاييس للحكم:
وهي الخطوة الأخطر فلم تعد هذه المصطلحات تقتصر على الاستخدام البيني بل أصبحت مقاييس للحق والباطل.
واليوم هناك العشرات بل المئات من هذه المصطلحات نلوكها صباحاً ومساء، فنقيس عليها كثيراً من الأمور ونشأت لدينا ثقافة هجينة. وهناك من يرمي الإسلام حين يتحفظ على هذه المصطلحات ويتهم من يرفضها بأنه يعيش خارج هذا العصر. فاحتار المسلم هل يقبلها ويتخلى عن ثقافته ويخرج عن مدرسة محمد وعلي وفاطمة أم يرفضها فيُصب عليه جام الغضب فيصبح متخلفاً.
ولكي يصبح الشخص مؤهولاً لأصحاب هذه الموجة يريدون منه أن يغمض عينيه ويتقبلها كما هي وإلا فانه معادٍ للحركة الإنسانية.
فمثلاً كان هناك خلاف بيني وبين أحد المؤمنين وكنت قد قلتها مرراً وكتبتها أني لا أحمله إلا على المحمل الحسن وعلى حسن النية ولكنه طلب مني أن اكتب إني أوافق على مبدأ التعايش بيننا، لاحظوا كيف يريد التعامل بالمصطلح الحديث الذي يدخل باطله داخل حقه وحقه داخل باطله ويرفض المصطلح الإسلامي الأصيل.
التعامل مع هذه الموجة من المفاهيم:
1. تفكيكها وفهم معانيها وما نحتويه من حق أو باطل.
2. عرضها على الشريعة الإسلامية من الناحية الأخلاقية والفقهية.
3. تمييز صحيحها من سقيمها.
4. أن نستعيد مصطلحاتنا الإسلامية الأصيلة.
فيجب أن يكون مصدر التعامل في ما بيننا بل حتى بيننا وبين الآخرين هو تراثنا الإسلامي فنحن نملك ثروة هائلة تملك جواب لكل سؤال أو إشكال. فليست هناك معاني ومفاهيم تضاهي معاني القرآن والراويات ونهج البلاغة. هذا الكتاب الذي لم يعط حقه فما وجدت مسالة فكرية أو إشكال إلا وجدت له جواباً عند علي . وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين