تراجيديا الفراق
نتفق سوياً بان الحزن نوع من الإنفعالات المكدرة التي يشعر بها الإنسان عندما يفقد شخصاً عزيزاً ، أو شيئاً هاماً ، وهو يحدث في الإنسان شعوراً بالكدر والضيق والكآبة ، ولذلك ينفر الإنسان منه ولا يحبه . وقد ذكر الحزن في مواضع كثير من القران الكريم ، ومنها سورة يوسف مصداقاً لقوله تعالى : ﴿ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ ﴾ (13) سورة يوسف . و قوله تعالى : ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ (84) سورة يوسف
إن الحزن شأن طبيعي في حياة كل إنسان ، فمن منا لم يحزن لوداع الأهل والأحبة ، ومن منا لم يعتريه الحزن على فقد عزيز أو وظيفة أو مشروع ما ، وليس المقصود في السيطرة على الحزن عدم البكاء والشعور بالحزن فهذا أمراً طبيعياً ، أما النياح والندب والإستسلام للحزن والدخول في دائرة الإكتئاب المفرغة ، وسيطرة النظرة السوداوية على كل أمورنا ، فهو الذي يحوِّل المرء إلى بائس شقي . فسيدنا يوسف ( ع ) قد ابيضت عيناه من الحزن على فراق يوسف ( ع ) وابيضاض العين كناية عن عدم الإبصار ، والحزن بالتأكيد هو السبب في ذلك ، لأن توالي إحساس الحزن على الدماغ قد أفضى إلى تعطيل عمل الإبصار .
الإستسلام للحزن يتضاعف ويتضخم حتى يصبح بأساً ، إلى أن يعيق مسيرة الحياة داخلنا ولو أننا حاولنا التصنع والتمثيل أمام الآخرين لنبدو على خير ما يُرام ، إلاّ أن ذلك يصبح إكتئاباً يصعب التخلص منه لا سيما لدى الأشخاص الذين لديهم استعداداً نفسياً للإستجابة لتلك التداعيات الأليمة ، والإنسان – يا غاليتي – هو المسؤول عن حالته النفسية ، فكونه حزيناً دائماً تراه يردد العبارات التي ترسخ الحالة النفسية الحزينة ، لأن ما يدور في عقلكم الباطن – وإن حاولتم إخفاءه – ينعكس على عالمكم الخارجي بأكمله ، وهذا ما يؤلمنا جميعاً لأننا نشعر بمعاناتكم ونشارككم المأساة التي لم تكن في الحسبان .
من المؤكد أن المصابين بالكآبة عادة ما يكونوا أُناساً طيبين – كما أنتم تماماً – وأنهم يرون أن المباهج ليست لهم ، والآخرين أجدر بها منهم ، مع العلم أن المتعة والبهجة يجب أن تكون أول أولويات الحياة بالنسبة لكل شخص على وجه المعمورة ، كما أن التحلي بثقة النفس أمرٌ هام جداً ، وذلك لنحيا الحياة بسعادة وتفوق ، وهذا لا يتعارض مع مشاعرنا الخاصة .
فالتعلمون أن الحالة المزاجية عاملاً هاماً في وجود الأفكار ، وكلما كانت الحالة المزاجية متدهورة ومنخفضة أدّت إلى أفكار أكثر سلبية وذكريات أكثر إيلاماً ، وما التفكير السلبي إلاّ صديقاً حميماً للإكتئاب الذي تتزايد وتتنامى حدته مع تزايد التفكير السلبي والنظر للأحداث من الزاوية الضيقة جداً ، وبالتالي يتولد القلق الذي يعتبر من ألدّ أعداء المزاج الحسن ، ومن أهم مصدات التفاؤل ، ومن هنا فإن الحالة المزاجية تتعرض للهبوط والإرتفاع من يوم لآخر وفقاً للأفكار التي نحملها ، وهذا ما أرجو منكم التنبُّه إليه ، والإستفادة من يقينكم الراسخ .
أعلم أنكم من المؤمنين بالقضاء والقدر ، وبحكمة الباري جلّ وعلا ، وأعلم كذلك أنكم تشاطرون المثكولين في فلذات أكبادهم وأحبائهم ، أحزانهم ، وأعلم أنكم بالرغم من الألم الذي يعصف بكم ، ويتفنن في تدمير نسيجكم العاطفي ، إنكم مؤمنين ، صابرين ، محتسبين ، يصدح إيمانكم الراسخ من منطق الغيب ، فيفوح عبير وجدانكم الذي يملأ الوجود . عزائي ومواساتي لكم فقد قدّر الله وما شاء فعل . رحم الله من يقرأ الفاتحة . ورمضان كريم .