الصيام والعدل الإلهي !
أولاً أبارك للأمة الإسلامية ولكافة شعوب العالم ولكل المخلوقات في الأرض دخولنا شهر الرحمة والمغفرة ، شهر الصحة والعقل ، شهر التوازن الإلهي والعدل السماوي ، شهر الصفاء والبهاء ، شهر الصيام عن بعض الملذات لحفظ الذات .
قال تعالى ، بسم الله الرحمن الرحيم : ( السماء رفعناها ووضعنا الميزان ) . كل شئ في هذا الكون وضع وخلق بحكمة وميزان من لدن الخالق سبحانه وتعالى ، أي كل مخلوق وقع ( قبل ) و ( بين ) و ( بعد ) خلقه بين كفتي الميزان ، وهما كفتي ( العدل والحكمة ) دون خطأ أو عبثية أو عشوائية ، بأعداده وصوره وأحجامه وأشكاله وألوانه ، محكمة ومرتبة بتقدير ودقة متناهية وعظيمة ، وهذا كله دون أن تدرك ماهيّـته عقولنا الصغيرة ، لكن ربما تدرك بعض أثاره ( إذا فكرنا ! ) فالله سبحانه وتعالى لم يربط العدد إثني عشر ( 12 ) بمخلوقاته عبثاً ! كعدد المجرات ، ومجموعتنا الشمسية وعدد أسباط وحواري الأنبياء والأئمة وحواري عيسى ، وأبناء يعقوب ، وعيون موسى وأعمدة هيكل سليمان وبيت المقدس) سورة البقرة : ( فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ) وفي سورة الأعراف : ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً, وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا) ، وكذلك عدد الشهور قال تعالى في سورة التوبة: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض)، وسيد الشهور ( رمضان ) وهو شهر الله ، حيث جاء الأمر فيه بالصيام : ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قبلكم ) فالصيام تشريع من السماء لأهل الأرض ، ( الأديان السماوية ) ، وحتى مع شعوب ( اللا دين ) ( No Religion ) ، فهم يحنون للصوم الطبي ويأدونه كتطبيب وراحة للروح والجسد ، فاليهود والمسيح والمسلمين يؤمنون بالصوم كتشريع أساسي من السماء ، لكن هناك اختلاف في التطبيق .
بالنسبة للدين الإسلامي فهو ركن أساسي من أركان وأصول الدين ، وللصوم فائدتين جوهريتين ، ( روحية وجسدية )، فالأولى لعلاقات الإنسان الروحية ، وأهما علاقته بخالقه ( الله ) ومن ثم مع من حوله ، والثانية ( تحفيز الجسد نحو الكمال) ، ففلسفة الصوم ليست موضوع طعام وشراب ، أو امتناع عن الغريزة الحيوانية ، وإنما هي مدرسة تربوية لتهذيب الإنسان من الداخل والخارج ( الروح والجسد ) ، فهي أعطاء فرصة لبني آدم كي يطوع روحه لكي يمتطيها ويوجهها نحو الجادة ، وليس العكس ! (بين زخم وزحمة باقي الشهور ) ، فعند خلو المعدة من الطعام يقل تشتيت قدرة العقل ، وما يتم صرفه من طاقة عقليه وذهنية على الجهاز الهضمي والمعوي ، يتم تحويله نحو العـقل ، ويبقى التركيز موجهاً إلي المنطقة العلوية ( الرأس ) ، منطقة المخ واللب ( التفكير ) ، وهنا يحدث الترويض للروح ، ( البطنة تذهب الفطنة ) ، فالإنسان يأخذ استراحة ربانية ( شهر ) سنوية لجسمه وروحه ، فهي مدروسة بدقة متناهية مقسمة على عدد زمن الأشهر القمرية ، لذا قال ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) ، أي ربما ثلاثون يوماً أو أقل ، إذاً هي أستراحة ( شهر قمري ) لوضعه كرقم في ( معادلة الجسد و الروح السنوية) والأهم ، هي ( وقفة لنقف فيها مع أنفسنا ونحدد طريقنا ومصيرنا ) ، فالإنسان مخيّر وليس مسيّر على جسر الحياة ( المعبر ) ، ومع ذلك ومن كرم الخالق جل شأنه ، أهتمامه بهذا الإنسان يبقى متصلاً ودون توقف ، ( حتى مع دوام عصيانه ) فكما هو منغمس مع ما أعطى من نعم الحياة وغرائزها ، كالفم والعينين واليدين والتزاوج وحب الحياة ، وضياعه في متاهات تلك الزحمة بين جمع الملايين من البشر... أعطاه فرصة للرجوع عن الخطيئة نحو الحق والطهارة ، والدخول من باب شهر الرحمة ( رمضان ) فجعل فيه أبواب السموات مفتوحة للتقرب إلي الله بالقرآن والدعاء وليلة القدر ، وجعل فيه النفس ( لينة ومطيعة ) ، والروح عرفانية وخفيفة وفي ( أقوى أوجها ) ، والشهوة لغرائز الحرام ( ضعيفة ) ، فالنصر لنزعة الخير في هذا الشهر محتوم ، والاندحار لنزعة الشر محسوم ... إذا هي فرصة قبل الفوت وذهاب الصوت ، كي نروض نفوسنا ونأخذها إلي طريق الله .