اتقوا الله يا رواديد
لو تنقلت بين القنوات الفضائية والمواقع الشيعية لوجدتها تزخر بالكثير من مقاطع الفيديو التي تصور رواديداً وهم يلقون قصائدهم في مدح أهل البيت أو ما يسمى بالكليب الديني، كل قصيدة لها شكل ولون وأسلوب مختلف أو قد يكون متقارب، وبصفتي أحد المنتمين إلى الرواديد -وأتشرف بذلك- فإن لدي العديد من النقاط التي في نظري الشخصي سلبية وتحتاج الى نظرة تمعن وتدقيق من قِبل الإخوة الكرام:
كثير من الرواديد لا نسمع لهم صوتاً إلا في المواقع والقنوات الفضائية -إلا ما ندر-، بل إن البعض صاحب إلقاء سيء في الموكب ولا يجيد قيادة المعزين ولا ضبط إيقاع اللطمة معهم، وقد يعتقد البعض أن هذا جيد في أن الرادود قد أُظهر نتاجه بشكل لا بأس فيه داخل الاستوديو ولكن هذا الكلام غير صحيح، حيث أن الكثير من الرواديد الكبار بدؤوا يبتعدون عن الموكب من أجل التفرغ إلى الاستوديو، والبعض منهم بدأ يترك الموكب نهائياً من أجل الاستوديو، وأنا أعتقد أن الإلقاء في الموكب أهم منه في الاستوديو لأن الموكب إحياء للشعيرة في يومها بتجمع الناس واللطم على صاحب المصيبة وهذا ما يفتقده الإعلام الفضائي والشبكي. فالإعلام الفضائي والشبكي مثل المواقع الاجتماعية التي تربط الناس بالمجتمع بطريقة غير مباشرة ولكنها هل تغني عن التجمع الطبيعي للناس؟ إضافة الى الأجواء الروحانية الموجودة في الموكب والتي يفتقدها الكليب.
هذا علاوةً على المظهر الغريب للملقي فالبعض تجده صاحب شعر طويل مموج ممزوج بخصل ذهبية ويلبس ملابس لا تليق برادود يريد نشر رسالة أهل البيت.
لا ننكر الكثير من القصائد الحسينية التي تنبع من عاطفة جياشة ولكن البعض منها لا تصلح لأن تكون «فضائية» وتسمع من قِبل جميع الناس بمختلف الأديان والمذاهب، بل والبعض لا تصلح أن تسمى حتى قصيدة وأي شاعر ناقد يستطيع أن يتأكد من كلامي من خلال الاستماع إلى بعضها من أي مكان.
وبعض القصائد لا تليق بمقام الشيعة ككل وذلك لكلماتها البعيدة عن المعنى الحقيقي للتشيع، ففي إحدى القصائد نسمع الرادود يردد باللهجة العامية [ دور الكاس وتهنى... بمولد الصادق... ]، هل هذا الكلام منطقي؟ أن تبحث عن "الكأس" في مولد الصادق؟
هذا مثل الشاعر الذي يقول:
سودت صحيفة اعمالي ووكلت الأمر الى حيدر
يعني ما دمت انت على ولاية علي فلك أن لا تصلي ولا تصوم ولا تخمس ولا تزكي... إلخ.
وهنا حدث ولا حرج، فهناك كم لا بأس به من الألحان «المسروقة» من مغنين، نعم مسروقة ولا أريد أن أذكر أسماء بعينها ولكن وجدت ذلك بصورة ملفتة جداً فالبعض جعل توجهه تركياً عندما «استعان» بالملحن المشهور لديهم «إبراهيم تتليسس» واستعار لحناً من شريط غنائي أو من فيلمٍ له وحولها إلى قصيدة رثائية للحسين!!
أنا لا أقول إن هذا حلال أو حرام فأنا لست بهذا الصدد ولكني أقول إننا كرواديد لسنا ضعفاء إلى هذه الدرجة لكي نأخذ لحناً من أغنية -لا نعرف معنى كلماتها الأصلية والتي قد تكون ذات إيحاءات جنسية» ونكتب عليه شعراً حسينياً.
و الرادود «مقتبس» اللحن على ثلاثة احتمالات:
1. توارد الأفكار: وهنا أقول بأن التوارد في «مد» معين أو في جزئية صغيرة ولكن في كل القصيدة!!!
2. إنه هو صاحب اللحن والمغني قد سرقه!! وهذا مردود عليه، فالمغني السابق «تتليسس» من كبار الملحنين وأغلب ما سمعت من ألحان الرواديد المنسوبة إليه عندما ترجع إليها في اليوتيوب تراها قديمة جداً «أبيض وأسود» وقصيدة الرادود حديثة.
3. أن يكون الرادود قد سمع اللحن من أحد أصحابه وألقاه وهو لا يعلم بأنه لحن أغنية -وهذا ما أرجحه-، ولكن ينبغي على الرادود في هذه الحالة أن يستنكر ذلك من أجل أن يبرئ نفسه من هذه التهمة.
لا يختلف اثنان في أن جميع القنوات الشيعية هي خيرية وغير تجارية، ولكنك تستغرب من بعض الزملاء الكرام في أن بعض أعمالهم المصورة يتجاوز تكلفتها المئة ألف ريال!! فهل هذا المبلغ في محله؟؟
طبعاً أنا أتكلم من وجهة نظري الشخصية -وقد يعتبرني البعض مخطئا- التي تقول إن هذا المبلغ مبالغ فيه جداً جداً وكثير من المؤسسات الاجتماعية تُحل جميع مشاكلها بهذا المبلغ، صحيح إن البعض من الرواديد لديه القدرة المالية لعمل ذلك فهذا الرادود حر بماله ولكن أنا أقصد الرواديد المعتمدين على التبرع من قِبل الناس؛ هل هذا التبرع في محله؟؟
كثير من الكتب تعطلت ولا يوجد من يتبنى طباعتها، أليس من الأجدى دفع هذا المبلغ لطبع كتب؟؟
قد يقول البعض إن الكتاب قراؤه قليل فأرد عليه بأن الكثير من التجارب تثبت العكس، فلو نظرنا عالمياً لوجدنا كتب العلماء والمفكرين الكبار لم تُقرأ إلا بعد وفاتهم بل وتدرس في الجامعات أيضاً ككتب جاليليو ومندل ومن الجانب الشيعي كتب العلماء الكبار فهناك الكثير من المؤلفين يكتبون ويؤلفون كتباً كالدرر ولكن لا يجدون من يتبرع لهم لطباعة الكتاب.
كثير من الدورات الدينية لا يوجد من يدعمها مالياً، مع أنها تكلف القليل من المال إذا ما قورنت بما يتم دفعه إلى الكليبات.
ولو أخذنا نظرة تمعن على جدوى الكليب فكم مرة سوف يعرض؟ عشر مرات؟ أكثر؟ بعد فترة سيكون مملاً أي أنه ذو فائدة زمنية محدودة قد لا تتعدى الخمس سنوات، لأن الذوق الفني يتطور ويتغير فما كان بالأمس إبداعاً يصبح في الغد عادياً وقد يكون مملاً.
بينما هل من الممكن أن نطبق هذا الكلام على الكتاب؟ أو على الدورات الاجتماعية للكبار أو الأطفال؟
إنني لا أفرض رأيي على أحد كما يفعل البعض ولكن ما أراه من كليبات يجعلني أطرح هذا الموضوع، فالكليبات أخذت زخماً إعلامياً كبيراً ودعماً مالياً لا يُستهان به، وكان من الأجدى توجيهه إلى مسار آخر تعم فيه الفائدة، ولأنني أرى قلة الرواديد الذين يجب أن يكونوا موجودين في الموكب لإحياء الشعيرة بدلاً من تفريغ وقتهم للاستوديو.
لأنني أعلم يقيناً أن جميع القنوات الشيعية -إلا ما ندر- تعتمد على تبرعات الناس وبين فترة وأخرى نسمع عن مندوب القناة الفلانية يذهب إلى التاجر الفلاني من أجل التبرع، أو نسمع حملة تبرعات إلى القناة الفلانية، بعد فترة نرى أحد الكليبات عُرض على نفس القناة كلف مبلغاً طائلاً، وكل ذلك المبلغ من التبرعات!!
لأنني أعلم أن كثيراً من الكليبات -إلا ما ندر- عبارة عن استعراض ملابس وسيارات وممثلين وبيوت وأماكن بينما الألحان أو الكلمات... «لا تعليق»!!!
وعلى كل ما سبق أقول لنفسي ولجميع الرواديد... اتقوا الله.