سامحكم الله
من الطبيعي أن يعيش الإنسان بين أصناف متعددة من البشر ، ومن المألوف أيضاً أن يتعرض إلى قبول من هذا ، ورفض من ذاك ، فلا يوجد شيئ خلاف الثوابت الدينية يتفق عليه عامة الناس ، لأن لكل واحد منهم رؤيته ، ومزاجه الخاص الذي يتدخل ليفعل فعله في حكمه على الأمور ، وقد يرى البعض في هذه التركيبة النفسية لبني البشر سبباً يدفعه إلى التشاؤم وأخذ الحيطة والحذر في التعامل معهم ، بينما يرى البعض الآخر أن في ذلك مصدر إثراء للتجربة الإنسانية ، ومختبراً للجودة النوعية في الحياة الإجتماعية ، ففي الوقت الذي يرى فيه الفريق الأول من الناس صعوبة العيش وسط بيئة ممتلئة " بالمفخخات السلوكية " فإن الفريق الثاني على النقيض تماماً لأنه يرى في تلك المعاناة أداة فاعلة من أدوات النضج الإجتماعي التي لا تكتمل روعة الحياة إلاّ بالمرور عبر بوابتها الوعرة .
على العموم فإن كل إنسان على وجه هذه الخليقة مجبول على الصواب والخطأ ، ولا يُستثنى من ذلك إلاّ المعصومون " وفقاً لما أعتقد " ولكن البعض يعترف بخطئه ويرجع عنه بينما البعض الآخر تأخذه العزة بالإثم ويصر عليه ، لا بل ويُكابر من أجل الإنغماس فيه !! بالرغم من ان الإعتراف بالخطأ صفة تنمُّ عن الموضوعية ، والجرأة ، حتى ولو كانت الحقيقة مرة المذاق في أولها ، فكل شيئ في بدايته صعب ، لكن ليس هناك من مستحيل . لأنه يجب علينا أن نتذكر أن تلك الصفة الحسنة في الإعتراف بالخطأ من شأنها أن تؤدي إلى إعلاء الهمة ، وتنمية الثقة بالنفس ، ويصبح بها كل صعب هيِّن فيما بعد ، لأننا نكون قد تعدينا حاجز الخوف والرهبة من الآخرين ، مما يضيف لنا رصيداً جديداً في حسابنا الذهني .
نعم .. الإعتراف بالحق فضيلة ، تمنح صاحبها الشموخ والعلو بين الآخرين ، وللأسف الشديد حقاً أن العديد من الناس يلومون الجميع إلاّ أنفسهم ، حتى وإن كانت تغرق في الأخطاء والذنوب ، قد يكون السبب كما أسلفنا هو كبرهم وعجرفتهم ، وقد يكون خوفهم وضعفهم من مواجهة الحقيقة . ولنا في قرآننا العظيم العبر والعظات ، فها هو عزّ من قال يذكر في سورة يوسف إعتراف امرأة العزيز بجرمها في حق يوسف " ع " وتلك حتماً شجاعة وثقة من بنت حوّاء الموصومة غالباً بالجُبن والمراوغة ، قال تعالى : ﴿ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ (51) سورة يوسف .
إن الإنسان الناجح هو من يتجنب الآخرين ، ويكسب مودتهم واحترامهم ، ليس بمبادلتهم الكراهية ، أو إجبارهم على الإقتناع بوجهة نظر ما يؤمن بها ، بل بالدفع بالتي هي أحسن ، والتلطُّف معهم ، واستمالتهم برفقٍ ولينً وذكاء ، والإعتراف بالخطأ ، والتجاوز عن عثراتهم ما استطاع لذلك سبيلا ، لأن من شأن هذا كله أن يفيض عليه بالمحبة والوداد ، والسعادة ، ومحبة الآخرين وإن طال نفورهم ، المهم أن يسامحهم ويطلب لهم الهداية لأنها الوسيلة الأنجع لقلب المعادلة التي يتميِّز بها الأخيار عن سواهم . تحياتي