حتى نتلوه حق تلاوته
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
جاء عن إمامنا الصادق في تفسير قوله تعالى ﴿ يتلونه حق تلاوته ﴾[1] «.. ما هو والله بحفظ آياته وسرد حروفه، وتلاوة سوره ودرس أعشاره وأخماسه، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده،وإنما هو تدبر آياته..»[2] .
إنه بقدر ما لقراءة القرآن من أجر عظيم وعميم حيث أن قراءته «كفارة للذنوب وستر في النار وأمان من العذاب ويكتب لمن يقرأ بكل آية ثواب مائة شهيد...» [3] ، إلا أن هذه التلاوة لا يراد منها أن تكون مجرد لقلقة لسان فـ «ما هو والله بحفظ آياته وسرد حروفه وتلاوة سوره» [4] ، بل لابد أن تكون التلاوة تلاوة تأمل وتدبر لذا قال «وإنما هو تدبر آياته» [5] .
بيد أن تلاوة القرآن الكريم لابد أن تكون ممزوجة بروح متفاعلة مع هذا الكتاب الحكيم وواعية بمكانته فهو كتاب «جعله الله رياً لعطش العلماء، وربيعا لقلوب الفقهاء، ومحاج الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، ونورا ليس معه ظلمة» [6] ، وهذه المكانة العظيمة هي التي تستدعي الحاجة لأن تكون تلاوتنا بقراءة متأنية للكتاب الحكيم ففي الحديث «لا تنثره نثر الرمل ولا تهذه هذّ الشعر» [7] .
هذا التأني في القراءة هدفه تمكيننا من الانتهال من هدي الكتاب ومن ثم نقوّم بهذا الهدي سلوكنا، ولعل من أنجع الوسائل للاغتراف من هذا المنهل العذب واستلهام معانيه السامية بطريقة تفاعليه مباشرة هو أن نتلوه بحزن ففي رواية «اقرؤوا القرآن بالحزن» [8] وفي لسان ثانية «جرحوا به القلوب» [9] وفي ثالثة «حركوا به القلوب» [10] ، كل ذلك حتى تتأثر أرواحنا بهديه وتتفاعل نفوسنا مع بصائره بعمق وجداني روحي، وبعمق معرفي، وحينها ستحلق الروح مع معاني الكتاب لتتطبب به وتتعافى من الأسقام بآياته كما جاء ذلك في وصف المتقين «يحزّنون به أنفسهم ويستثيرون به دواء دائهم» [11] ، فبهذه الطريقة من القراءة يمكننا أن نتداوى ونعالج أمراض نفوسنا بهدي الكتاب ونوره، فإن هذا القرآن «فيه مصابيح النور وشفاء الصدور» [12] .
وفي هذا السياق ولتأكيد هذا المنهج الروحاني التفاعلي في استلهام الهدي القرآني نجد أهل البيت يدعوننا إليه بقولهم:«إذا مررت بآية فيها ذكر الجنة فاسأل الله الجنة، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار فتعوذ بالله من النار» [13] ، فما أحوجنا لاعتماد هذا المنهج الروحاني القلبي في عملية التأمل والتدبر والاستلهام من آيات الذكر الحكيم أثناء تلاوته، وإلا «لا خير في قراءة ليس فيها تدبر» [14] من هنا تأتي حاجة مراكزنا القرآنية إلى مزج البعد الروحي والأخلاقي التهذيبي في برامجها حتى ترتقي تلك المراكز لمصاف بيوت الله التي نعتها القرآن بـ ﴿ بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ﴾[15] ، وحتى تتوافق مخرجاتها التعليمية وأهداف القرآن الكريم فيكون أبناؤها وخريجوها بحق حملة القرآن أولئك «المحفوفون برحمة الله، الملبوسون بنور الله»[16] حينها سنجد أن «القرآن يحيي القلب» [17] .