رمزي جمال.. من التنمية الإجتماعية إلى القبضة الأمنية
يكاد الشارع الشيعي في المملكة العربية السعودية يجزم أن إحدى عوائق التنمية بمختلف جوانبها الأخلاقية، الاقتصادية، الدينية والاجتماعية، متمخضة من طبيعة معاملة بعض المؤسسات الرسمية مع المكون الشيعي.
ولعل منبع الضرر الواقع على شيعة السعودية، ينطلق من نظرة التمييز والاقصائية، التي لا يتبناها الخطاب الرسمي العام [1] ، غير أن السلوك الحكومي يمارسها كجزء انطلاقا من أدبياته العقائدية تارة، أو كسلوك نفسي مأزوم تارة أخرى، ولا يتوقف التمييز والإقصاء على البيئة الحكومية وحسب، بل يتمدد في القطاعات الأهلية.. ليحكي في المجمل: إن التمييز ضد الشيعة سلوك يتعدد في أكثر من بعد، ديني واقتصادي واجتماعي، ويأتي من أكثر من فئة، فلا يقتصر صدوره من الفئة الدينية فقط، فحتى الفئات التي تنسب نفسها للعصرنة والتحرر، والتي ترى في نفسها تمايزاً فكرياً عن الفئة الدينية السلفية، تمارس التمييز بدرجات وأساليب مختلفة.
في ضمن هذا التوصيف وهذه الملاحظة، لا نغفل أن هناك ثمة عقول تحررت من النظرة العنصرية تجاه المكون الشيعي، غير أن السلوك العنصري يبقى الأكثر طغيانا والأوسع ملاحظة.
تبرز الحالة «الاستثنائية» تجاه الفرد أو المجتمع الشيعي في الكثير من مفاصل البلاد، وهو السلوك الهادي والضبابي الذي يقصى به الشيعة دونما توضيحات إضافية، فالاسم أو اللهجة أو المنطقة، دلائل يتلمسها الطرف الاقصائي حتى يجري عملية الفرز وصولا لتنفيذ عملية الاستثناء. ولهذا بذلت مناشط بحثية تثقيفية لتشخيص الواقع الشيعي عدداً وجغرافيةً واقتصاداً وتعليماً وسياسة..، كل ذلك لا من أجل تضمينهم في عملية تنموية وطنية، بل من أجل مآرب معاكسة في ضمنها يأتي تحجيمهم واستهدافهم [2] ، فـ «لا يجوز إقرارهم ولا الأنس بهم، ولا يوثق بهم ولا تجوز محبتهم وموالاتهم، ولو أظهروا النصح والمحبة فإن ذلك من التقية التي هي النفاق، ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم»! [3] .
ما يزيد الواقع تعقيداً أن هذا الاستثناء المستفحل، ليس دستوراً مثبتاً ليناقش أو يُعترض، بل هو حالة عرفية قابلة للمجاهرة أو الإخفاء وفقاً لجملة من المتغيرات المحلية والدولية، وتبعاً لطبيعة المناخ السياسي الدولي والإقليمي والمحلي.
هذه الاستثنائية، تقف بالمجتمع الشيعي في صعوبات متعددة، تنعكس بحتمية على بطء أو شلل في مختلف جوانب التنمية، سواء منها التنمية الدينية، الأخلاقية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية والفكرية، ما يبقينا في حال عضال، تتكاثر عليها ملامح المهزومية والتخلف.
وبعيداً عن جدال محتمل، في مدى ما نخسره وما نستنزفه جراء التمييز.. فلنتساءل: ماذا لو رُفِع التمييزُ، وأُطلقت الحريات وفق قانون واضح المعالم محمي عن الطمس والانتهاك، هل سيحدث ذلك فارقا في واقع التنمية في المجتمعات الشيعية؟...
ما يبدو للعيان، أن الظلامة الشيعية واقع، والبوح - على اختلاف الوسائل - حق ﴿ لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾ النساء «148»، ومن المُضِر ألا نفرد لها ملفها الخاص. وكوننا نبوح بظلامتنا لا يعني ذلك أننا نتجاهل حقوق أحد أو نستصغرها، فالبوح بالظلامة قيمة على المظلومين والمضطهدين ممارستها ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ﴾ القمر «10»، إضافة أن التمييز وفق المذهب حالة يعانيها الشيعة بوجه أخص.
ولا يعني البوح بالظلامة، التباكي والجمود، بل إن السعي الجاد لرفع الأذى، والعمل الدؤوب في مسارات التنمية عملٌ منطقي وعقلاني لتغيير الواقع، ووجه مشرق من أوجه تحمل المسؤولية. وفي سياق ذلك، لا نريد أن يذهب بنا تلمس هذا الواقع المأزوم نحو سلوك محبط، ولا ينبغي أن نتقبل من أنفسنا أو من آخرين التبريرات ألا مسؤولة التي تتخذ ذريعة للتكاسل والا مسؤولية.
والمشرق هو ما نراه من ثلة من أبناء وبنات هذا المجتمع السائرين في درب المسؤولية والإصلاح، يوظفون إمكاناتهم وقدراتهم وفق ما يتيحه الواقع من مساحة، رغما عن العوائق الرسمية المعلنة وغير المعلنة.
وعلى الرغم مما يوفقون إليه ضمن المساحة الهلامية المتاحة، إلا أن المشاريع المعتقلة في تطلعات النشطاء الاجتماعيين والتي من شأنها علاج ومداواة أعراض وهموم المجتمع، أكبر - ولاشك - من العطاء الظاهر.
فالمضايقات والتعهدات والاعتقالات، أدت إلى تحجيم وتصغير المناشط الاجتماعية بمختلف توجهاتها، للحد الذي باتت الحاجة الاجتماعية للتغيير والإصلاح أكبر من أن توفيها المناشط المبذولة حقها، فالجراحات والآهات التي تلم بنا والناتجة عن القصور التربوي والانحراف السلوكي والتردي الأخلاقي وقصور الوعي الناتج من الضحالة الفكرية والثقافية، كثير منها نتج جراء التعاطي الرسمي، لاسيما الأمني منه.
فمن يعرف القطيف والأحساء وباقي مناطق التواجد الشيعي في المملكة يُدرك أنها تحتوي طاقة قادرة - بإذن الله - على تنمية وإصلاح الواقع، ولكن والحريات مكبوتة، والاعتقالات مشرعة، أصبحنا كالطائر ما أن يبزغ له ريش يعينه على التحليق حتى يأتي من يمارس عملية النتف والتقصير.
يأتي هنا «رمزي جمال» المعتقل منذ 25/06/2010 [4] ، كرمز ناصع ضمن أولئك النماذج المسؤولة، والتي امتزجت في أرواحهم قضايا المجتمع وتطلعاته، فبصماتهم النبيلة - رغما عن عتمة الكبت - تضيء جدران المجتمع بالأمل الذي يمد الروح بالبقاء، ويبعث فيها الحياة والتجدد. إننا إذ نبكي على شهدائنا ونتألم لأسرانا.. نتألم ونبكي في ضمن ذلك على واقعنا المستهدف، وتنميتنا الموؤودة، وما يقع علينا من تمييز ظالم.
ما يسعنا قوله، أن مسار التنمية بمختلف جوانبها، ومسارات الإصلاح والرقي في المجتمعات الشيعية، مرهونة بما يتوفر من حرية، وعليه فإن السعي لتحصيل وتحقيق الحرية في واقعنا الراهن مطلب تنموي، يترتب على تحققه تيسر الكثير من الرؤى والتطلعات.