لا يصح أن يعيش الإنسان بلا مشروع في حياته
ضمن برنامج الرحالة الأول : آل حمادة يتحدث عن تجربته الكتابية والإعلامية
نظم برنامج "الرحالة الأول"، الذي ينطلق في فكرته من بلدة أم الحمام بمحافظة القطيف، زيارة للكاتب والإعلامي حسن آل حمادة مساء الأربعاء الماضي؛ ليستمعوا لتجربته التي اختاروا لها عنوان: "الناجحون: تجربة إعلامية".
وبعد تقديم الأستاذ منصور المرهون (أحد منسقي البرنامج) لفكرة الزيارة والغرض منها، تحدث آل حمادة لـ 25 شابًا من ضيوفه الشباب المتطلعين؛ لتسجيل أسماءهم في قائمة الناجحين.
وبدأ آل حمادة بالإشارة لدور والدته التي كانت المدرسة الأولى له، إذ عاش في كنفها بعد رحيل والده عن الحياة الدنيا، وهو في سنته الأولى.
ومن ثمّ بدأ آل حمادة بسرد مشهدين طريفين مرّ بهما وهو يحثُّ الخطى في سبيل تحصيل ملكة الكتابة؛ التي هي الوليد الشرعي للقراءة، بل الثمرة الأهم من ثمارها، ومن ثمّ عرض خيوطًا عريضةً من تجربته القرائية والكتابية والإعلامية.
المشهد الأول: حينما كنت طالبًا أدرس في المرحلة الثانوية، كان لي زميلٌ يُكثر من السخرية تجاه طالب آخر أضعف منه قوةً وحيلةً! وقتذاك، حاولت الانتصار للمستضعف منهما، لكن، ليس بطريقة نبي الله موسى ، الذي وكز خصم صاحبه فقتله، بل بأسلوبٍ آخر.. إذ توجهت بخطابي للمُتجبِّر والمغرور منهما، فقلت له مرتجلًا بيتًا من الشعر:
ولا تدعي في الناسِ مبهمةً * * * فأنت البهيم الأطرمُ
فما كان من الطالب المهجوّ إلاّ أن أبدى إعجابه ليقول لي وهو متبسمٌ: >ما شاء الله طلعت شاعر<.. وراح يبث خبر شاعريتي في الفصل بقوله: >حمادة شاعر.. حمادة شاعر
أعجبت بأريحيته وتشجيعه وقلت له متممًّا:
وإنك لا تعي دورك في الحياة * * * لأنك مشغول بنفسك والهوى
لم يتمالك الطالب نفسه بعد سماعه لهذا البيت، إذ أخذ يؤكد إعجابه بشاعريتي الارتجالية، وأمسك بيدي ليقول لزملائه: >حمادة شاعر واحنه ما ندري
في الحقيقة لم أتصور بأن هجائي العنيف لزميلي سينتهي بسلام، إضافةً لشهادة مجانية في حقي موقعة بلسانه؛ فقد خُيّل لي بأنه سيضربني بالكرسي دفاعًا عن نفسه، إلاّ أنه شجعني؛ لأتوهم بأنني قادرٌ على نظم الشعر!!
المشهد الثاني: في نفس اليوم الذي هجوت فيه زميلي، عُدت إلى البيت، وفي العصر قرأتُ كتابًا من الكتب التي تحتويها مكتبتي الخاصة ووضعته جانبًا بشكلٍ سريع -وأنا أعيش نشوة الفرح، جرَّاء تشجيع زميلي في المدرسة- وحاولت في نفس اللحظة كتابة قصيدة وصلت أبياتها لعشرة أبياتٍ؛ ولفرحتي بهذا الإنجاز الذي حسبته -يومها- عظيمًا، عرضت القصيدة -في اليوم الثاني حياءً وخجلًا- على صديقي المقرّب في المدرسة، وأنا أردد مع نفسي: بما أن الطالب الذي هجوته شجعني فلا بد أن أجد التشجيع -أيضًا- ممن أُصاحب! وعلى غير المتوقع جاءني الرد هكذا: >إن شاء الله تصدق إنك شاعر
أجل، لم أحاول نظم الشعر؛ إلاّ أنني أثبتُ بيتين من العشرة ضمن كتابي الأول: (أمة اقرأ... لا تقرأ)؛ لأقول من خلالهما: إنني قادرٌ على قول الكلمة الطيبة، وهما البيتان الآتيان:
سر إلى دار المعارف لا تمل * * * لتكُن كالنجم تسطع بالضياء
واترك الجهل بعيدًا للوراء * * * لتكُن ضمن صفوف العظماء
بعد هذا السرد، أود أن أهمس في آذانكم لأقول لكم: لا تغفلوا عن قول الكلمة الطيبة لمن ينشد التقدم والرقي، وكونوا مشجعين لا منفرين، وتذكروا أن الحسنة بعشر.
وقال آل حمادة أن تجربته الكتابية تتلخص في الآتي: "بعد أن قرأت، وقرأت، و...، -في المرحلة الثانوية أواخر الثمانينيات الميلادية تحديدًا- قلت لنفسي: لماذا لا تكتب حتى يقرأ آخرون ما تكتب؟ فكما استفدت مما سطرّه غيرك فلتُسطِر ما تفيد به، وبهذا النحو بدأت محاولاتي بكتابة بعض الخواطر والأفكار المركزّة.. مقلدًا في ذلك ما قرأته لمرجعيات دينية وقيادات إسلامية ونخب عربية، وجدت مقولاتها توضع في أغلفة خلفية لبعض المجلات، أو تدرج ضمن بعض الصفحات، أو...إلخ. وقلت في نفسي: باستطاعتك يا (حسن) مجاراة هؤلاء الكتّاب والكتابة على شاكلتهم، ولا زلت أُحاول.
وبين آل حمادة ضمن إجابته على سؤال كيف يمكن للشاب أن يؤلف كتابًا، أن الأمر الأهم لتعزيز مقدرة الشخص على امتلاك ملكة الكتابة، هو مداومته على القراءة أولًا وأخيرًا، فهي ينبوع العطاء؛ إذ هي طريق الإنسان للرقي. وقال: لكي تكتب مقالة اقرأ مقالة، ولا حظ أسلوب الكاتب في عرضه لأفكاره، ولكي تكتب كتاباً، دوام على قراءة الكتب، ولاحظ طريقة المؤلفين في عرض أفكارهم. وأكد على أهمية تكثيف القراءة إضافة لتعلّم الأسس الفنية لكتابة المقالة، وتأليف الكتاب.
كما تطرق آل حمادة لتجربته في جانب الإعلام المرئي، منوِّهًا إلى أن الكتابة هي البوابة التي قادته لذلك، فبعد أن نشر كتيب "لماذا يفسخون عقد زواجهم؟"، أستضيف في القناة الأولى في التلفزيون السعودي، ومن ثم في إذاعة طهران، وفيما بعد قدَّم برنامجها: "وما يسطرون"، في قناة الأنوار، وتوال ظهوره أيضًا في قناتي: المنار، وأهل البيت، والكوثر، إلى جانب قنوات أخرى.
وأكد آل حمادة على ضرورة الاستفادة من جميع الأوعية الثقافية، سواء كانت بشكل كتاب، أو مجلة، أو إنترنت، أو تلفزيون، وقال: لا يمكن لوعاء أن يلغي آخر! وإن كنّا نشدد على أولوية التمسك بالكتاب؛ لأنه أهم الوسائل التي تبني الإنسان بشكل جاد ورصين.
كما ذكر من جانب آخر أن الروايات قد تكون مدخلاً مناسبًا، لتنمية وتعزيز عادة القراءة عند الشباب. وطالب الشباب بأن يتبنوا مشروعًا معينًا في حياتهم، وقال: لا يصح أن يعيش الإنسان بلا مشروع في حياته.
وفي ختام الزيارة أهدى آل حمادة ضيوفه نسخًا من كتاب: "الثقل الآخر: تجليات قرآنية حول أهل البيت (عليهم السلام)". لمؤلفه الفلسطيني الأستاذ محمود المقيّد، وهو أحد الكتاب التي قدّم لها آل حمادة.
يذكر أن برنامج (الرحالة الأول) هو برنامج شبابي ينطلق من بلدة أم الحمام بمحافظة القطيف، ضمن فعاليات دورة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويلتقي فيه الشباب بعدة شخصيات، من علماء وناجحين؛ ليستفيدوا من علومهم وتجاربهم.