التجربة «الأوبامية» تستحق المتابعة
لم يمنع تحول جزء من مدينة ستراسبورغ الفرنسية، يوم الجمعة الماضي، إلى قلعة محصنة وسط انتشار 9 آلاف عنصر أمن، واعتبر هذا الجزء « منطقة حمراء» بحيث يتعذر الدخول إليها لأشخاص غير مزودين ببطاقات خاصة، لم يمنع كل ذلك تجمع حشود المواطنين فيها ليهتفوا باسم الرئيس الأمريكي أوباما!! الأمر الذي جعل الرئيس الفرنسي ساركوزي مبتهجاً بالاستقبال العفوي الحار الذي يلاقيه ضيفه.
ما الذي سيجري؟ لو كان الرئيس السابق بوش الابن هو الضيف، هل سيستقبله الناس بهذه الطريقة؟ ربما، لكنني لا أعتقد ذلك. هل هذه المفارقة، الرمزية والبسيطة، تشي بقدوم مرحلة تغييرية كما كان شعار أوباما خلال فترة الانتخابات الأمريكية؟ وهل أوباما من الشخصيات الكاريزمية التي يجود بها الزمان بين فترات متباعدة على الشعوب والأمم؟ أم أنه مجرد صورة مكررة لنمطية رؤساء أمريكا خلال العقود الأخيرة؟
فمن أوروبا أطلق مبادرة جديدة، من العيار الثقيل، نهاية الأسبوع الماضي، عندما أعلن أن لديه برنامجاً لجعل العالم خالياً من الأسلحة النووية!! وبالمناسبة، مبادرات أوباما لم تتوقف منذ دخوله البيت الأبيض، وهي فترة قصيرة، سواء على الصعيد الداخل الأمريكي (اقتصادية واجتماعية وصحية) أو على صعيد خارجي (سياسية واقتصادية وعسكرية). إذا كانت كل تلك المبادرات والقرارات تقوم على رؤية واضحة للنهايات المطلوبة، ولو ضبابية لكنها توصل صاحبها إلى مبتغاه، فإن أوباما قد يكون من رجالات صناعة التاريخ الحديث.
كل الصفات السيئة التي تناولتها الصحف الغربية عن الرئيس السابق بوش تنفيها الصحف ذاتها عن الرئيس أوباما، بل مما يُعرف عن الأخير منذ دخوله الانتخابات والاتحادات الطلابية وفي مراحل حياته العملية التشاور الدائم مع من يعملون معه، ولا يتخذ قراراته بصورة فردية، وهي من أهم الصفات التي تؤهل المرء للقيادة الناجحة. ويضيفون بأنه بارد الطبع، بالمعنى الإيجابي للبرود، بحيث يكون هاضماً لمحيطه ومتحفزاً للانتقال نحو اتخاذ القرارات، ولكنها برودة استفزت منافسيه طوال مشواره السياسي.
لا يمكن الزعم بأن إدارة أوباما تسير على نهج وخطط الإدارة السابقة. في الوقت ذاته لا يمكن لها أن تتخلص كلياً من أفكار وسلوكيات تلك الإدارة. بمعنى آخر حالها حال المريض الذي يتعافى من عدة علل في آن واحد، يعيش متأثراً بما أعطبته تلك العلل، ويتداوى، ليلاً ونهاراً، لاستعادة طبيعته، لعله يستعيد مكانته وقوته رغم العواصف التي تحيطه وتثبطه.
يعمل أوباما وإدارته على محاور كثيرة للملمة أوراق إدارة البيت الأبيض والحكومة من جديد وتفعيلها بعد ما ورث من سلفه ملفات كل واحد منها أعقد من الآخر. الأزمة المالية العالمية التي انطلقت من المنظومة الاقتصادية لأمريكا.
إزالة الشوائب التي علقت بالعلاقات مع روسيا والصين. وقد ورث ملفات معقدة في منطقتنا وهو ما يهمنا نحن كعرب ومسلمين: ملفان خارجيان تنعكس نتائج التعاطي معهما ورسم سياسة التعامل معهما على مستقبل أمريكا وهما أفغانستان والعراق. ملف الإرهاب. الملف النووي الإيراني. والملف الأكثر تعقيداً وسيكشف قدرات أوباما الحقيقية هو الملف الفلسطيني.
لا يزال الوقت مبكراً جداً لتقييم التجربة «الأوبامية». بيد أن المثير للمتابعة والتحليل خلال الفترة القادمة التفاعل الإيجابي رسمياً وشعبياً داخل وخارج أمريكا لخطواته ومبادراته. فهل يصبح أوباما من الرؤساء الأمريكيين الذين ساهموا وأسسوا في انتقال أمريكا من مرحلة إلى أخرى؟ وكيف سينعكس ذلك سلباً أو إيجاباً على منطقتنا؟ هذا ما نحتاج إلى مراقبته خلال السنوات القليلة القادمة.