عواصف العواطف !!
ما أجمل العواطف الإنسانية بين الناس ، وما أروعها إذا كانت بين ذوي القربى في كافة المستويات ، لأن العاطفة هي شريان العلاقات التي تمدها بالحياة والديمومة ، وتوفر لها الدفء اللازم للإستقرار والشعور بالأمان ، وتعزز آفاق التفاهم ، والتعاذر ، والتسامح ، والإرتقاء بالعلاقة إلى مستوى يستعصي على نزغ الشياطين بحيث يوفر لها حائط صد ناري تتحطم عنده كل محاولات الإختراق ، ومداهمات الوقيعة بين الأحباب في جميع أنماط العلاقات الإجتماعية ، والتي يهمنا منها هنا " العلاقات الأسرية "
وترتكز قواعد العلاقات التواصلية الأسرية على وشائج متينة من الود والحب والإخلاص والتعلق والثقة المتبادلة ، إنها مهمة لبناء أسرة قوية قادرة على لعب دور فعال في خلق شخصية أفرادها وتطبيعها بقيم ومثل حميدة ، إنه لا شيء يعوّض العلاقات العاطفية المتسمة بالود والاحترام في الأسرة ، لأنها تعمل على إزالة التوترات وتنفيس الضغوط الإنفعالية من جوها.
ولكن نتيجة للتطور التقني والتفجّر المعرفي الهائل وثورة المعلوماتية المدهشة تعقدت الحياة العصرية ، الأمر الذي جعل العالم قرية صغيرة مما جعل حياتنا مليئة بالاضطرابات النفسية وأشكال القلق المختلفة ، كل ذلك يلقي على كاهل الأسرة أعباء ومسئوليات جساما لتخفيف وطأة الظروف القاسية عن أفرادها ، مما يجعلها ملاذاً روحيًا يلجأ إليه هربًا من صعوبة الحياة العصرية وتعقيداتها .
ويلعب التواصل الأسري والتفاهم بين الزوجين دورًا حيويًا في تحفيز قدرات الإنسان على المودة وجعلها أكثر فعالية ، ويخلق مقدمات ضرورية لحياة الإنسان الروحية ، ويحدد روح الأسرة وأسلوبها والأدبيات المتبعة في التنشئة الاجتماعية للأطفال والمراهقين فيــها كما يحمل في طياته السرور والسعادة ، أو على العكس تمامًا يؤدي إلى إثــارة الأحــقاد والضغائن . كما تتوقف علاقات الأسرة على اهتمامات الزوجين النفسية وميولهما " وحساسيتهما الإنفعالية " وكذلك على مشاعر كل منهما تجاه الآخر .
ولقد بحث علماء الاجتماع في الكثير من العوامل التي تؤدي إلى فصم عرى الزوجية وتقويض الحياة الأسرية ، وكان من أهمها : الاسترسال الزائد في الحياة الشخصية دون الالتفات إلى الشريك ، أو أن يكون أحد الزوجين بحاجة إلى اهتمام زائد من قبل الشريك. أو أن لا يكُنُّ أحد الزوجين أي احترام لعائلة الشخص الآخر وخاصة الأبوين ، أو أن يقوم أحد الزوجين بإهمال الأطفال من اجل أمور أخرى مثل الذهاب إلى الحفلات أو ممارسة أي نشاطات اجتماعية أخرى، أو أن يكون أحد الزوجين يعاني من الغيرة الزائدة ، بحيث يضيِّق على الشريك لدرجة تؤدي إلى استحالة الحياة بينهما ، إنها بالفعل " عواصف العواطف " التي تجعل من الحياة الزوجية ناطحات سحاب شُيِّدت على كثبان رملية ، ولست أرى علاجاً أنجع من أن يكون العقل هو من يدير تلك العواطف حتى لا تنحرف عن مسارها ، أو تسبح خارج إطارها فيحدث ما لم يُحمد عقباه . أليس كذلك ؟ تحياتي .