مواقعنا الإلكترونية ... بين ادعاءات الحرية وحاجات النقد
لقد قدمت في الفترة الماضية، مقالة هامة وضرورية وحساسة - من وجهة نظري الشخصية طبعاً -، تحت عنوان: (مشاريع أم مآزق الشيعة في السعودية؟!)[1] ، للنشر في العديد من مواقعنا الشيعية الإلكترونية المحلية. وكانت هذه المقالة في الحقيقة - كما اتضح لي فيما بعد - إختباراً حقيقياً - من وجهة نظري الشخصية أيضاً -، لكثيرٍ من دعاوى وادعاءات الحرية، التي يطلقها الكثيرون منا، في فضاءاتنا الإلكترونية.
لقد كانت المقالة المطولة تلك، عبارة عن دراسة وتأملات ونقاشات جادة وهادئة وموضوعية هامة وهادفة، تناولت موضوعاً شائكاً (يتعلق بالشيعة عموماً وقضاياهم الأساسية). وانطلقت تلك المقالة نحو ذلك، من خلال إشكالات محلية واقعية. إلا أن تلك المقالة لم تسلم من مقص الرقيب، فمنعت في آخر الأمر من النشر، في غالبية مواقعنا الإلكترونية الشيعية المحلية.
ولقد كان واضحاً من خلال ذلك الحجب أو المنع، أن مواقعنا الإلكترونية المحلية، خصوصاً القطيفية منها، قد تجنبت النشر، بسبب ورود اسم شخصية دينية، ورمز من الرموز القطيفية المحلية المحترمة، التي بالطبع نقدرها ونجلها جميعاً، ونكن لها الكثير من الود والإحترام. رغم أن تلك المقالة، لم تتجاوز في الحقيقة، في تصوري ومن وجهة نظري الشخصية - وأنا واثقٌ من ذلك تماماً -، حدود اللياقة الأدبية، وحدود النقد الموضوعي - الذي يناقش الأفكار، ويبتعد كثيراً عن القدح في الأشخاص -، الذي يجب أن نؤمن به جميعاً.
ومما يؤكد لي ذلك، بل ومما يثير الغرابة - أيضاً -، في نفسي، في الوقت نفسه، نشر تلك المواقع الإلكترونية جميعاً، مقالة مشابهة كثيراً[2] ، لأحد أصدقائي الأعزاء. قام فيها بعض تلك المواقع الإلكترونية، بحذف اسم تلك الشخصية الدينية الرمزية. بينما، لم يقم بذلك الحذف البعض الآخر. وهنا، ربما يبرر لبعض تلك المواقع فعلها (النشر والحجب)، في نفس الوقت معاً، لمقالين متشابهين كثيراً، أن ذلك البعض، قد قام أقلاً بحذف اسم تلك الشخصية، من احدى المقالتين، حين أمكنه ذلك. لكن ذلك بالتأكيد لن يبرر، لبعضها الآخر، الذي قام بالنشر، حتى مع بقاء اسم تلك الشخصية، في المقالة المنشورة.
ويبدو هنا، أن مواقعنا الإلكترونية الثقافية والإخبارية، واقعة حقية هنا، ضمن بؤروة تأزمات وتناقضات واشكلات حرية رأي حقيقية عويصة جداً، قد يصعب عليها فيها التعامل بدرجات محكمة وعالية من النزاهة والدقة والحيادية والموضوعية المطلوبة. فحساسية الوضع الإجتماعي، كانت حاضرة هنا مرة بقوة، وغائبة في المرة الأخرى بقوة أيضاً، بشكلٍ ملفت.
ومن المفارقات العجيب الغريبة، في الموضوع ذاته - أيضاً -، أي في موضوع حدود وشروط الحجب والنشر في مواقعنا الإلكترونية، أن بعض مواقعنا الإلكترونية تلك، التي امتنعت عن نشر ذلك المقال، تعد اليوم بالتأكيد، من أشد المواقع الإلكترونية المحلية، حرصاً على نشر تعليقات وتعقيبات القراء ضمن مساحات حرية واسعة. حتى منها تلك التعقيبات والتعليقات المسيئة للأشخاص، التي تتجاوز حدود الموضوعية، لتقع في مستنقعات الشخصنة والإستهزاء والإساءات الشخصية، فتطال ذوات الكتاب وأقاربهم بالقدح، في تهريج أعمى مريض يهدف للتسقيط والإيذاء، عوضاً عن نقد مقالات الكتاب ومقولاتهم، بشكل موضوعي، يناقش الموضوع المحدد بحدوده المعلومة، ويبتعد كثيراً عن القدح والسب والشتم.
وأنا هنا أتفهم بالطبع وأعي حقيقةً، ما يعانيه أصحاب تلك المواقع الإلكترونية، من صعوبات جمة. وأكن لهم جميعاً الكثير من التقدير والود والإحترام. وأقدر تلك الإحتياجات الإستراتيجية، وظروف الواقع الحرجة والمحرجة والحساسة المحيطة بهم، والمربكة للجميع، في ساحات ابراز الرأي الحر. لكن، ليس معنى ذلك أنني سألتزم جانب الصمت مجاملةً هنا لهم، عندما يتطرق الأمر هنا، لموضوع حساس، من أهم مواضيع واقعنا المعاصر، وهو موضوع النضال من أجل تفشي حريات التعبير عن الرأي والبوح بالرأي الحر، الملتزم بضرورات المصلحة العامة طبعاً، والدفاع عن ذلك كله، في ساحاتنا الإجتماعية المتأزمة والمتشنجة.
وأنا أعلم بالتأكيد أن هناك بالتأكيد موازنات دائمة بين المصالح العامة والخاصة، ودعاوى ونداءات الحرية، لا بد أن يأخذها الجميع بعين الإعتبار. لكن، يبدو لي أن هناك خللاً واضحاً كبيراً، في قراءاتنا للواقع وحساباتنا للإحتمالات الواقعية، تجر الكثيرين منا، بما في ذلك أصحاب المواقع الإلكترونية، لممارسات خاطئة، في ساحات التعامل والتعاطي مع قضايا حريات الرأي، ومساحات التعبير عن الآراء، في ساحتنا الإجتماعية.
وفي الحقيقة، فإن على المناضلين من أجل إتساع دوائر النقد البناء وحرية التعبير عن الرأي، وهي ركائز بناءة وضرورية وأساسية بالتأكيد للنهوض بالأمة وواقعها، المرتبط بالتأكيد بمصالحنا جميعاً، يدركها الواعون، أن يكونوا عوامل ضغط على تلك الخطوط الحمراء التقليدية، التي اعتدناها، والتي تكبل أبناء الأمة، لا أن يقوموا هم بالعكس. أما حين يقوموا هم أنفسهم بالحجب والمنع، لتلك الآراء الحرة، دون مبررات واقعية مقنعة فعلاً، فذلك لن يذكرنا واقعاً، إلا بممارسات بعض تلك الدول والحكومات الديكتاتورية، التي لا تسعى فقط إلا لمصالح فردية أو فئوية خاصة، وهذا مما سيجرنا فعلاً لساحة اشكالات وتساؤلات أخرى خاصة، تجرنا في النهاية، للتساؤل بجدية، حول مصير ومستقبل، تلك الحريات المزعومة، حين يتسيد المنظرون في مواقعنا الإلكترونية أو غيرها ... تلك الساحة.
وهنا، ربما يقول البعض لنا، أن هناك مبررات واقعية مقنعة، وأن الساحة وتأزماتها لا تحتمل فعلاً مثل ذلك الطرح، ولا مثل تلك الآراء الحساسة، التي قد تطلق في مثل هذا الوقت تلك الشرارة المحرقة المهلكة التي نخشاها، أو قد تقود للإنفجار الكبير، أو قد تكون هي القشة التي قصمت ظهر البعير. وأنا أقول، من وجهة نظري الشخصية الخاصة، أن الأيام قد علمتنا، أن ردود أفعال شعوبنا العربية والإسلامية، في هذا العصر تحديداً، ليست في الغالب سوى، زوبعات في فناجين، أو في فنجان، وأقصى أقصى ما قد تفعله تلك الشعوب في كل الحالات، ليس سوى شكليات وصراخات، لن تضر الواقع بالتأكيد أبداً، لا قليلاً ولا كثيراً. إذ ليست هناك في الواقع، أية ردود أفعال حقيقية، ولا أية قوى مؤثرة تفعل في الساحة بقوة، لتستحق بالفعل منا (في هذا المقام) تحديداً، الكثير، بل ولا حتى القليل، من ذلك الإهتمام ومن تلك المجاملات.
هذا، على صعيد المجتمع، وما يمكن أن يثور فيه من انفعالات، وردود فعل سيئة وسلبية، أما إذا كانت المخاوف متعلقة بأفراد وشخصيات بعينها وما يمكن أن يصيبها ... فهنا قد نتوقف لنتفهم الأمر ... لأن الأمر (قد) يدخل بنا في تشعبات أخرى.
لكن، الحديث يعود بنا هنا مجدداً، لنتساءل مرة أخرى، بل مرة تلو المرة، لماذا نشرت تلك المواقع الإلكترونية، مقالاً آخر مماثل؟! وقررت ببساطة، حجب أو شطب المقال الآخر؟؟؟!!!.
والجواب هنا، سيعود بالطبع لأصحاب الشأن، فهم أعلم منا بأسباب ذلك (الحجب/ والنشر) المتزامنين.
وأما ما يهمنا هنا، وما نريد أن نعرف له جواباً واضحاً، فهو: هل تناضل مواقعنا الإلكترونية حقاً، من أجل رواج وتفعيل النقد الموضوعي البناء، ومن أجل نشر حقوق حرية التعبير عن الرأي، وضرورات ذلك، رغم حساسيات الساحة، الشكلية غالباً؟ أم أنها، تستجيب فوراً وبسرعة ودون مبررات تذكر، لتلك الضغوط - البسيطة -، رغبة في حفظ المصالح، المتضخمة وغير المعلومة؟؟؟!!!.
وأنا أحب في الأخير هنا، أن أدعو جميع الكتاب والمثقفين في المنطقة، لمراجعة ما ذكر في هذا المقال، وفي ذاك المقال الآخر، المشار إليهما هنا، وتعريضهما جميعاً للنقاش والنقد الموضوعي الهادف والهاديء ... فلعل هناك أشياء حقيقية، تستوجب منا الحذر والتوقف، ربما قد خفيت علي.
وأتمنى، هنا في الأخير، إن كانت هناك أية استجابة للدعوة السابقة، أن لا تحجب آراء أولئك الكتاب ومقالاتهم في نهاية الأمر ... والسلام ختام.