لنا في المقاومة حياة
لتدافع في هذه الدنيا مقعدا على مفترق وميض سيرها يحدد يمين وشمال وجهة الفكر وسفر الجسم والفعل في انطلاقة الحياة المتسارعة إلى تشكيل نسيج ألابتلاء ومعترك الاختبار وولادة القرار من ذمة ألإرادة البشرية.
برغم بروز أحرف الهدف العريضة شاخصة أمام العين المجردة ومعلقة في أرجاء شعاع البصر ومقيدة للسبب ألأول في العبادة إلا أن الفهم في أحيان يتغاضى مشدوها بالمناظر الحائرة الأشكال المتخبطة لسقطات الخرق الشهوانية عن تلك الحروف والأنوار الجلية الباهرة في تجسيم الجواب ألأول لوجود ألإنسان وهدفه المبرر تواجده على سطح البسيطة. ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾الذاريات56التدافع هوا المعامل ألأمثل في حيوانية الحياة وهو المسيل لتخثر أحداثها والمكون اصهارة ألابتلاء في بوتقة تضطرم بتفاوت الوجهات فيسكبها في رصيد الدارين إما فلاحا وسؤددا أو خورا وانحطاطا وضعفا.بدون التدافع سوف تبقى مضامين عناصر الحياة في شرودها وصدئها لتلتحف الغبار ويشرد عنها الزمان لتوقفها عن الحركة فتكون موتا حقيقيا ومضيعة وهباء لوجودها في دار الدنيا وحاشا للخالق أن يخلق هذا العبث.
الغاية في العبادة هي نفث روح الحياة بين عناصر الدنيا , لتقوم حية نابضة بوجيب وعنفوان عنصري الحق والباطل ولوني النور والظلمة وأحاسيس الدفء والبرد وطعم الحلو والمر.﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُيُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾الحج40بعنوان التدافع نجد ألأجوبة لكثير على تساؤلاتنا وبه ينكشف الغموض وتتلاشى علامات التعجب وينفلق قمقم ألبهم وتنجلي معالم الحيرة.التدافع ,الابتلاء,ألامتحان والفتنة كلمات تعني دخول تيار التفاعل في جهاز الحياة الدنيا ليعمل ذلك الجهاز فينتج أما رضوانا من الله أو سخطا على العبد , تيارا يحرك الكامن النفسي فيخرج الحقيقة ويبلجها انكشافا للذات إلى الذات أو إلى الخارج وبين الآخرين.وبدون ألابتلاء والتدافع يبقى الخير أو الشر في حيز القوة ويستعصى عن مقام الفعل.كان الوالد الشيخ أحمد الحمود رحمه الله يمثل بقوله أن هذه الحياة بالنسبة للفرد وبعد أن يدخل حيز ألابتلاء بأن يكون كصاحب دفتر الشيكات فباستطاعته أن يدون له رصيدا أو علية دينا وبكل حرية , فإن قاوم شهوته وأهواءه فسيعلق أحرف نورانية يجابية على سطورها ولو تهاون ولم يقاوم تيار البلوى واستنشق غبار الفتنة سيسجل بأنامله أرقام مديونيته وحساب خسارته.﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى 40﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾النازعات41والصور في تضاريس البلوى كثيرة جدا يجمعها أن تنقل الحال من سكونه أو رتابته إلى حال أخر أما جوا ثقيلا خانقا أو حراكا متسارعا متناثر التأثير ومبعثر لردود الفعل وسبقات ألأفعال.
وفي البلوى والاختبار قد يجعل الشخص نفسه وقفا للدور وحجرا مخصصا لتداعيات شكل معين من أطراف البلوى وهذا في حد ذاته ينبجس من معنيين متضادين تماما أما أن يوقف الإنسان كيانه للحق ويجاهد نوازق الباطل على السواء من مصدره الذاتي المتمحض من عندياته أو منمسخا من سقوط الهمة وملاث الزيغ وتناضح الشهوات وأيضا على قسميه السابقين أما من المعنى الذاتي وهو ألأكثر في هذه الحال أو من ضعفه عن مقاومة الأهواء الوافدة من المصادر الخارجية ,هما دورين وثالثهما ذلك ألامعة الذي باع نفسه ودينه لهوى غيره لخواء مقاصده ونزار في حلمه وتهتك لدرع ذمته المداهنة.ومهما تعددت أشكال ألابتلاء فالحل ألأوحد تلك القدرة في المقاومة , وكلما كانت جذورها أعمق في النفس فهي ألأقوى والأجدر في كسب الرهان المتجدد يوميا مع رياح ودفع الباطل , متمثلة بالإرادة المزدهر من الخير المستسقى في العبادة وهنا مربط الفرس. فالعبادة هي ذلك ألأمر الظاهر المبين الجلي والذي برغم ظهوره وجلائه قد تعمى عنه عيون أسملتها حراشف الشرور, وقد تموث بالرين والصدأ عنها قلوب .وبالعبادة تتقوى نفوس اختارت أن تكون زكية مسلمة أمرها للخالق فيمكنها خالقها من القوة والمنعة ويهبها نجاح الدارين فتكون تلك الجبال المانعة لتيارات ألأهواء وهي الحجة على من امتطاه هواه.
الممانعة ثروة لا يعرفها من لم يتحسس صلابتها ولا يلتذ بشهدها إلا من مج طعم الذل والهوان من فيه ولا يأنس بها إلا من هجر الرجس والنجس وتطهر عن دونية المعصية ولو كان أهلها أكثرية وهو الأقلية.
يا من تقتله الشرقة وتؤذيه البقة وتنتنه العرقة مسكين أنت إن استهوتك هذه الحالة المزرية من عيش الدنية ولم ترقى نظرك إلى عنان العزة والرفعة ولم تشمخ بوجودك عن وحل الأتباع والغرر .
لا تعجب أن سمعت أن فرد من العلماء بثياب تواضعه وشمم ممانعته يسقط تاريخا من الجبروت ويرسله ذليلا خارج الوطن يموت بحسرة الذلة ويتلفع بثياب الطرد واللعنة فذلك العالم أسقط بعنفوان رفضه من يدعي أنه ملك الملوك وأرسله إلى سلة المهملات في زوايا التاريخ مغضوبا عليه من شعبه وأمته وبلا كرامة أو عزة.
ما دام التدافع مناط وجود البشر وطريقا لكشف الحقيقة وموئلا لمعرفة وتعرية المستور فسوف تقف الممانعة بالمرصاد أمام الزيغ ولو ناصره أهل الهوى وسدوا بأنفاسهم الجائفة الأفاق وأطبقوا على ألأرض وحجبوا السماء بضجيجهم وكذبهم المتواصل.في عصرنا عصر ثورة المواصلات وسيل المعلومات وانكشاف عورة التاريخ تتمثل العبرة في حتمية علو الحق وتبخر اسدال الستر لسطوع أشعة الحقيقة وجريان الخبر من بين جمود التكذيب وحجارة النفي , على أن التدافع مستمر بين الصدق والكذب بين الحق والباطل ومحاولة الطمس للحقائق مستمرة والتظليل للعقول لتبرير الغير معقول مستمر أيضا ,ودور المقاومة يتجدد مدعم بالخبر الصادق والقول الحق مخترقا كل ألاعيب وفنون التجهيل والتورية مهما بلغ ألانكفاء نحو الشهوات في الناس سواء من الطغام أم من أشباه العلماء ممن يبيعون دينهم لأجل دنياهم وممن يقايضون عقيدتهم بدور في حكومة الجور.
﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾التوبة39أن كثر المرتزقة في هذا الزمان فأن المقاومة لهم بالمرصاد وذلك وعد ألهي غير مكذوب وسوف يكشف للناس زيف المتنطعين برغم كثرتهم أو مقامهم وبالرغم من دهائهم ومكرهم واستغلالهم للفرص وتصيدهم في الماء العكر.
في القريب لاحظنا تضافر جهود الشجب لكلمة حق قيلت في من ذكر التاريخ بلائهم ودورهم المشؤم في أصل الفتنة التي نعيشها إلى اليوم فلم يغنم المهولون غير الخسران المبين حيث أن خوفهم على وحدة المسلمين بزعمهم لم يرسوا بهم إلا على شفى جرف هار من تمكين المخالفين ليزدادوا في نفخ نار الفتنة وتأجيج الزيغ وعبادة أهل المنكر.
فهل يخبرهم ذلك بما نسوه من دور الممانعة وأنهم فرطوا بالكثير أمام هدف لم يتحقق ولن يتحقق من ناحية عدم استطاعة المتلقي, فالجانب الذي تتعاملون معه يعتقد في صميم وأغوار عقيدته التي لم يتوقف يوما في سقي أشواكها ومعاهدة أصولها وتمكين فروعها في العداء للحق وموالاة أهل الباطل وتمييع حدود العدل ليتلاقى مع الجور ويمجد الظالم والمظلوم في ذات السطر بل قد يدين المظلوم في بعض ألأحيان ويبرر للظالم في كل ألأوقات.
سيادة وسماحة المتمنين ليس بأمانيكم ﴿لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ﴾النساء123
لقد أحسنتم الظن في من جاهر بالسيئة وذلك في كنانة طيبكم وسلامة نواياكم ولقد أبلغتم في إيصال الحجة فتمت حجتكم جزآكم الله خيرا فلا تفرطوا في ما بقى من أواصر طائفتكم .
﴿وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴾النمل81
أيرضيكم هذا التكالب لإسكات ضمير الصدق بينكم حتى لقد دخل في هذا ألأمر من يعلم ومن لا يعلم لقد كتب من يعقل ومن لا يعقل وتنازل البعض عن الحق وعن الثوابت ظنا منهم بأنهم يصلحون وهم بالفعل يدقون مسامير في نعش الألفة ويقطعون الوشائج .لقد جعلتم الدالة على أهل مذهبكم حين فتحتم للمتملصين أبواب ومجال الهزيمة والخنوع وتركتموهم يجولون ويصولون ويتفننون في توهين العقل وتضعيف النقل.
إن الممانعة السلمية يجب أن تسلم لذوى العلم والحجا والخبرة وليس لمن هب ودب وتجربتنا ألأخيرة أثبتت أن في الساحة كثير من المتنطعين وصائدي الفرص والمتسللين على مفاهيم المذهب وكثير من عشاق المناصب ومحبي الظهور بل وكثير من مصفي الحسابات ومتبلدي الانتماء.
إياكم أن تنسوا الممانعة فهي والله الهلاك ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾البقرة195
ألاستسلام للأمر الواقع إذا كان أمرا مذلا ومخزيا كما هو واقعنا اليوم من كثرة إملاء البغاة وتحكمهم في أمورنا ونهيهم لشعائرنا ومجاهرتهم في تكفيرنا وفتياهم بجواز قتلنا , هو أمر مخزي فلا تشربوا من هذا النهر إلا ما اضطررتم فهو كما أبتلي به جيش طالوت ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾البقرة249
والصبر وعدم ألانخراط في توهين مذهب أهل البيت عليهم الصلاة والسلام هو النصر والذي لن يلزمه إلا القليل من المحقين وأنتم إنشاء الله من المحقين .