أفتحوا مجالاً للمرأة ..
منذ زمن أبي جهل وأزلامه كانت المرأة منبوذة ومحتقرة، لدرجة الدفن المادي والمعنوي، ولهذا جاء القرآن الكريم موبخاً ذلك المجتمع البدائي بقوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)؟!، الحقيقة المرة التي لا يزال القرآن يلوح بها أن قصة الوأد لا تزال سارية المفعول، ولهذه الآية الكريمة ذات الامتداد، حتى مع هذا القرن الذي تتكدس فيه التكنولوجيا وتتقدم فيه الآلة بشكل لا فت، فلماذا تهان المرأة ولماذا تشطب بالأحمر العريض؟! في إحصائية بارزة تقول أن المرأة في مجتمعنا تمثل نصفه 50%، وفي تقرير اقتصادي آخر يشير أن النساء العاملات في السعودية 240 ألف امرأة عاملة بالمقارنة بعدد السكان البالغ 24 مليون نسمة، وهذا يكشف عن إهمال واضح في حقوق المرأة، فمن يدافع عن حقوقهن المستلبة ومن يتصدى لتحريك العربة التي نسج العنكبوت عليها خيوطه؟! فكم من فتاة تمتلك الدرجات العليا والكفاءات المتميزة حبيسة الدار والجدار، فلا تجد لهذه الكفاءة طريقاً تلتمس فيه النور والعمل، الاحباطات يملئن الصدور، والدموع لها صفة الشلال، فمن هو المسئول وأين يكمن الخلل؟!
البعض يصف أن مجتمعاتنا ذكورية تغلب مصلحة الرجال وترمي ببطشها ونار حقدها على عنصر النساء، وقد تغلف بأغلفة براقة ولامعة تدعي أنها تحافظ على خدرها وتحفظها من أيدي العابثين، ولكن الحق لا يعني أن تكدس الكفاءات في البيوت ويزرع اليأس في النفوس بسبب دواعي قد نجد الطريق لحلها، هناك معوقات وعلينا التحرك لحلها بعيون صادقة وأيدي ناهضة.
في لقاء خاص في قناة العربية نُقش فيه (عمل المرأة في السعودية بين الواقع والتحديات) تقول فيها أستاذة الاقتصاد في جامعة الملك سعود نورة اليوسف : " من المعوقات التي تواجه المرأة عند فتح أي مجال جديد للمرأة يكون هناك اعتراض من بعض القطاعات في المجتمع التي دائماً ترفض أي مجال جديد يفتح المرأة، مع العلم أن هذا المجال قد يكون أفضل للمرأة، لأنها تكون في مجالات خدمتها الخاصة فيها، المعوقة الثاني أن القطاع الخاص لم يهيء إلى الآن البيئة المناسبة لتوظيف المرأة "..
وعليه هل ستبقى عقول مجتمعنا في استنكار كل جديد؟!، هناك فرق بيين الأعراف وبين الدين الذي يسمح للمرأة بتعاطي دورها ونشاطها ضمن ضوابط شرعية تعرفها أغلب فتياتنا والحمد لله، البعض يركض وراء شواذ ويقحم بعض القصص التي قد تصدر من الرجال أيضاً، وهذا الشيء خلاف الإنصاف، فهل سنستنكر عمل المرأة إذا تم وضعها في المكان المناسب وبالطريقة الجيدة التي تنطلق من مجال تخصصها وميدان عملها الفعلي؟! علينا أن نفكر بطريقة متعقلة قبل أن نحكم عن الأمور من زاوية الأعراف والتقاليد البالية .
في تقرير تنقله الصحيفة الاقتصادية جاء فيه : " تصاعد مؤشر البطالة بين الخريجات الجامعيات في السعودية ليصل إلى 64 في المائة وطال المتخصصات في الأقسام العلمية والطبية والحاصلات على درجات علمية متنوعة " وهذا مؤشر خطر يحتاج لوقفة صادقة، فهل نسمح للفتاة بالدراسة فإذا جاء موسم الحصاد، رمينا بالثمار بحراً، بل فرضنا عليه هيمنتا بكل اعتساف، علينا أن ننظر بعين الرأفة واللطف كما قال المصطفى : " رفقاً بالقوارير"، فكيف تعاملنا مع وصية نبينا الأكرم؟!، تقول الدكتورة عائشة نتو لصحيفة الرياض : (وقد خرجت جامعة الملك سعود (الجامعة الوحيدة في المملكة التي لديها قسم لتخريج أخصائيين في العيون) خلال السنوات الثلاث الماضية 60 أخصائية بصريات مقابل 8 فقط من الشباب، لكن وزارة الصحة تحرم الفتاة من مزاولة تخصصها خارج المستشفيات فيما تسمح للشباب بذلك)، وهذا يكشف عن حقيقة مرة يجب علينا الاعتراف بها، ووضع الحلول المناسبة والسليمة لعلاجها..
قد نجد تهوراً غير مدروساً في سبيل المعالجة، وهذا خطأ من لون آخر، إذ يجب مراعاة الشريعة وأن نضع المرأة في المكان المكرم المناسب لها، وهنا نطالب الجهات المختصة بالنظر إلى هذه البطالة المتفاقمة في بلادنا، خصوصاً أن هناك الكثير من الفتيات اللاتي يعانين من مرارة العوز، فهل سيُفقد الأمل؟!، بين الحين والآخر نجد بعض المراهم التي تبلسم الجراح، ونأمل أن نرى الشمس بحياة أفضل، تنقل لنا صحيفة الوطن السعودية : " إن مشروعا تبناه القطاع الطبي يسعى لتوظيف الصيدلانيات السعوديات في الصيدليات العامة في الأسواق التجارية؛ وذلك بغية توفير الوظائف لأعداد كبيرة من الصيدلانيات اللاتي لم تكن القوانين والأنظمة تتيح لهن العمل في هذا القطاع "
وفي الختام لن تقف الطموحات عند هذا الحد، بل ستتعداه لنشهد بعدها أن المرأة نالت حصتها الحقيقية من حقوقها المسلوبة، ولن يكون ذلك إلا بتحركها المضاعف .