في زمن الجنون
يحدثني احد أصحابي عما حدث لابنته في إحدى مدن الألعاب أيام عيد الفطر المبارك, لقد اختارت لعبة من ألعاب الرعب, أو ألعاب الموت, وما أن تحركت اللعبة بالارتفاع والهبوط السريعين مع قلب من فيها رأساً على عقب, ثم تحريكهم بسرعة وباتجاهات مختلفة حتى بدأت ابنته بالتقيؤ, ولم يكن احد يلحظها بسبب السرعة التي تتحرك بها اللعبة, وبسبب الدوران يمينا ويسارا وانقلاب الجسم ليصبح الرأس في الأسفل والرجلان إلى الأعلى, ثم العودة مرة أخرى إلى الوضع السوي وبطريقة سريعة ومتعبة.
يقول صاحبي كانت أصوات الصراخ تتعالى ولا اشك أن بعضها كان صراخ خوف وهلع, لكن اللعبة إذا تحركت من الصعب إيقافها أو ملاحظة ما يحدث للأولاد والبنات فيها.
ويزيد صاحبي في القول: أخبرت ابنتي الصغيرة أن اللعبة صعبة, لكنها فضلتها على غيرها من الألعاب وأشعرتني بقوتها, فكنت كبقية الآباء والأمهات انظر لحركة اللعبة وانتظر توقفها.
هكذا يعشق الناس ما يؤذيهم, وهكذا يستجيب الآباء راضين أو مضطرين لمسايرة أطفالهم وأولادهم, وان كان الضرر كبيرا وبالغا أو كانت تلك اللعبة هي اقرب للخطر منها للتسلية والأنس.
ذكرتني هذه القصة بمسابقة في إحدى مهرجانات الصيف, حيث اصطف أربعة من الأولاد في عمر الثانية عشرة أمام أربعة أطباق مليئة بالبيض المسلوق, وكان الفائز من يلتهم اكبر عدد من البيض في طبقه خلال دقيقتين, واندفع الأولاد يلتهمون البيض بسرعة بينما يشجعهم بقية الطلاب وحتى الآباء وأولياء الأمور, إلى أن بدا احد المتسابقين في حالة غير طبيعية, فهرع له المعلمون في محاولة لإخراج أو إنزال ما توقف في بلعومه, والحمد لله أن احد المدرسين كان صاحب خبرة في التعامل مع مثل هذه الحالات, وإلا - لا قدر الله - كنا قد خسرنا شمعة غالية وسط قهقهاتنا وضحكنا.
ليس هناك اقرب لتوضيح ما أريد من آلاف الشباب الذين يجتمعون في أماكن التفحيط بالسيارات, مع احتمالات انفلات السيارة عليهم كما حدث مرارا, أو اشتعالها وإصابة من فيها ومن هم خارجها من المتفرجين وقد حصل تكراراً, ومع ذلك نرى أماكن التفحيط مكتظة بالشباب المتفرجين.
هل يتصور احدنا أننا لا ندرك الضرر المحتمل من هذه الأمور وغيرها؟
لا اعتقد ذلك, وخصوصا أننا نسمع ونقرأ أو تصلنا أخبار عن الحوادث والضحايا التي تحصل هنا وهناك.
المشكلة في استبعادنا الخطر وان احتملناه, قد لا يكون في هذه اللعبة أو في هذه الجولة من المسابقة أو في هذا الاستمتاع الذي نحن متفاعلون معه.
ليست هناك مشاحة فيما يسبب الضرر وان كانت تلك الأمثلة والقصص هي من وحي الحياة الطبيعية والاعتيادية للناس, ففي زمن الجنون قد يكون التصفيق حاضرا مع كل تصرف يمزق عائلة أو يشتت شمل أسرة مع أطفالها, ويكون التشجيع حاضرا إلى جانب كل كلمة تمزق المجتمع وتحوله إلى كانتونات منعزلة ومتحاربة مع بعضها, ويكون التبرير مسلكا يتخندق أتباعه مع كل متجن ومعتد على الآخرين.
زمن الجنون هذا يفارق زمن العقل والعقلاء الذين ينظرون لمصالحهم ومنافعهم وحاجاتهم وأمنهم وسلامتهم ولا يصفقون لشيء يمكن أن يمسها أو ينال منها لأنهم يعتقدون أن الفاصلة بين الأفعال وما يترتب عليها أو الكلمات وما قد تسببه قد لا تكون بعيدة أو بسيطة.