إعادة التموضع بين الرفض والقبول
قد تكون قد صادفت مثلي ، أو تعرفت على بعض الناس الذين تراهم ينتقلون فجأة من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال بين عشية وضحاها وكأن كلام الليل لديهم يمحيه النهارُ . ولأننا لا نعلم ما يدور في خلدهم ، وليست لدينا الدراية بما استجد من معلومات على ذاكرتهم فإننا نستغرب بل لربما ننتقد بشدة هذا التغيير الدراماتيكي في مواقفهم ، ونتهمهم بالمزاجية الحادة ، وغياب الرؤية الواضحة والتذبذب في السلوك ، والمَيْل بأنفسهم حيث الريحُ تميلُ .
هل يجب على من يرى ضرورة لتغيير موقفه أن يحبس أنفاسه خوفاً من المنتقدين ، والمتربصين ، والراصدين لكل سكناته وحركاته يُمنة ويُسرة ؟ وأن يستمر على موقفه القديم لأن الآخرين لا يدركون السر الذي يقف وراء تصرفه هذا ؟ أم أنه يحق للمرء أن يستجيب للمتغيرات دون حرج من أحد لأن ذلك يقع ضمن حدود حريته الشخصية ومسؤوليته الفردية ؟
ربما ينقسم الناس بين مؤيد ومُعارض لتلك الخطوة التي أدّت إلى تغيير الموقف سواء من الموافقة إلى الرفض أو العكس ، أو الإنتقال من تكتل هذه الجماعة إلى تلك ، أو من الإلتزام بإعتقاد إجتماعي كان عليه ، إلى أفاق إعتقاد إجتماعي آخر ، أو التحول من حالة الإنغلاق والصد نحو فريق إجتماعي إلى الإنفتاح عليه ومد جسور التعاون معه ، وربما يُتهم بالتسلُق أو بالبراغماتيه الإجتماعية ، أو قد يذهب الأمر بالبعض إلى حد التشكيك في النوايا والتعامل الحذر مع هذا التحول المفاجئ والغريب بشكل يصعب معه إستيعابه !!
يقول الأديب الإيرلندي الشهير ( جورج برنارد شو 1856-1950 م ) : " إثنان يستطيعان تغيير رأيهما ، العالم لأنه يعلم والجاهل لأنه لا يعلم " ومن هنا فإن المواقف الإجتماعية ليست جامدة وثابتة مثلما هي في العلوم الطبيعية التي لا تختلف قوانينها بإختلاف الزمان والمكان ، فالإنسان في حراك دائم وديناميكية لا تستكين . يتفاعل مع محيطه الإجتماعي بكافة إرهاصاته ، كما أن لحالته المزاجية تأثير قوي على سلوكياته ومواقفه من الأحداث التي تجري في هذا العالم الفسيح ، ومن هنا لا يمكن التنبؤ بما سيصدر عنه في هذه اللحظة أو تلك ، أو التعامل مع قوالب التفكير والعمل لديه وفقاً للقوانين الطبيعية أو المسائل الرياضية .
المَشاهِد كثيرة ومتعددة تلك التي تعكس التحولات في المواقف المختلفة ، وبعيداً عن إستعراض الأسماء تلاقياً للوقوع في فخ الشخصنة وطائلة المُساءلة القانونية ، فإننا بملاحظة الواقع وبالمراجعة التاريخية لأحداثه نرى كم من خصوم – بقدرة قادر – تحولوا إلى رفاق ، وكم من ( لا ) إنقلبت رأساً على عقب إلى ( ألف نعم ) وكم من قطيعة مُتسيِّدة سارت متلهفة مسرعة الخطى على جسر التواصل والعكس بالعكس ، وكم من ( كلمة قاطعة خُيِّل لسامعها أنها لن تنزل الأرض ) فإذا بها كفقاعة صابون تلاشت في الهواء ولم يعُد لها أي أثر ، وكم .. وكم .. وكم .. !! فالقائمة طويلة ومتشعبة ..
ومهما كانت مُبررات تغيير المواقف فإنها حقٌ مُعتبر لكل إنسان لأنه الوحيد المسئول عنها ، وعن تحمُّل نتائجها سواء سلباً أو إيجاباً ، وسواء إتفقنا معها أم لا ، فإنه يجب علينا إحترامها وتفهُمها لأنها تنسجم مع الطبيعة الإنسانية ، ولا أقول الموافقة عليها على الإطلاق . فمن حقكم إعادة تموضعكم متى شئتم أيها الأحبة إنما أرجو الحذر . ولكم تحياتي .