أنا ومن بعدي الطوفان !!
إن المرء يتفهم جيداً ضرورة أن يتم إغلاق صناديق الإقتراع في الإنتخابات المختلفة بالشمع الأحمر لئلا يتم التلاعب بأصوات الناخبين ، وكذلك أن يتم دمغ عطاءات المناقصات لا سيما الضخمة منها بالشمع الأحمر صوناً لحقوق المتنافسين ، وأن يتم أيضاً وصم المحلات التجارية المخالفة للقوانين التجارية بالشمع الأحمر حماية للمستهلكين وردعاً للمستهترين ، وأن يتم إقفال مغلفّات إجابات الطلبة في الإمتحانات النهائية بالشمع الأحمر حتى لا يتم العبث بها حفظاً لحقوق الدارسين . أو إقفال مكاتب قناة تليفزيونية ، أو قناة إذاعية ، أو موقعاً إلكترونياً أو صحيفة إخبارية ، أو مكاناً للتجمع المشبوه ، بالشمع الأحمر لتجاوزها الخطوط الحمراء وتهديدها للسلم الإجتماعي بشكل أو بآخر ، كل ذلك وسواه يمكن أن يكون مقنعاً ليتسيّد الشمع الأحمر هذه المكانة في إطار القانون في كل الإتجاهات .
من المؤكد إن للشمع الأحمر فوائده الجمّة التي تتجاوز حدود ما ذُكِر أعلاه ، ولكن ما لا يقبله راشد هو أن يسمح البعض لنفسه ممارسة تلك السياسة في المكان والتوقيت الخطأ حيث يجب أن تسود لغة الحوار والإنفتاح على الآخر ، والبحث معه عن القواسم المشتركة التي تجمع ولا تُفرق ، والإيمان بمبدأ العيش المشترك ، والأهداف التكاملية وإن تنافر المسار ، وتشتت خطوات السائرين ، فحتماً سيتحفق التلاقي الموعود .
البعض يجانبه التوفيق في إدارة الأمور كما يجب ، لا سيما حينما يكون في سدة القيادة والمسئولية ، سواء في محيط الأسرة ، أو في بيئة العمل ، أو في أروقة الأندية الرياضية والأدبية ، أو في الحقل التطوعي الإجتماعي كالجمعيات الخيرية ، وغيرها من المحاضن البشرية فيتخذ من نمط خط الإتصال النازل إسلوباً لإدارته ظناً منه بأن ذلك يحفظ هيبته ، ويرسخ مكانته ، ويجعله أكثر قدرة على ( جر ) الأفراد الذين ينظوون تحت إدارته إلى حيث يريد ، بل ويهجِّنهم ويجعلهم أكثر قابلية لإستيعاب تلك الفلسفة الإدارية ، متجاهلاً السنن الكونية ، والطبيعة التكوينية للعلاقات الجدلية الإنسانية ، والعقود الإجتماعية .
من المؤسف جداً أن يتم ختم العلاقة الإنسانية بالشمع الأحمر إن كان أحدهم بات ينطق بغير ما ينسجم مع هوى من يدير أمره ، ويؤول إليه تقديره عذره ، لأن العلاقة والحال كهذه لا يمكن لها أن تكون علاقة تفاعلية تنمو تحت سقف مرتفع من الثقة المتبادلة والمسئولية المشتركة ، لأن أصعب ما يمكن أن يواجهه المرء هو أن يخشى البوح بما يعتقده صواباً ، أو أن يخاف على نفسه من نتيجة غضب من بيده امره " لا سيما إذا كان ذلك المرء من النمط الذي يغرق في التبعية البلهاء ، والعلاقة الطفولية التعلقية "
هنا لست أقصد التحريض على الخروج بأي شكل كان ، لأنه سلوك ممقوت لا محالة وفيه خسران عظيم ، إنما هي دعوة صادقة لكل من يتولى أمور الناس أن لا يعمد إلى ممارسة سياسة القهر والإلزام بأي شكل كان ، وكأنه يقول : أنا ومن بعدي الطوفان ، لأن الإصرار على ختم العلاقات الإنسانية بالشمع الأحمرأكثر ضرراً على المدى البعيد من أوجاع الرأس التي قد تجلبها سياسة الباب المفتوح . ولكم مودتي .