توظيف الشعر والإنشاد في خدمة الإرهاب
لا شك، أن للعاطفة دور حيوي في تعزيز وترسيخ الإيمان وبعث طاقاته الدفينة المختزنة في نفوس المؤمنين.
ولا شك أيضاً، أن الرسالة السماوية المحمدية، قد إرتكزت على هذا الجانب بشكلٍ واضح، وأعطته حقه من الرعاية والإهتمام. وذلك واضحٌ تماماً، خصوصاً عند حديثنا عن التعبد بتلاوة القرآن الكريم، والإهتمام بتجويد آياته، وإلقائه على مسامع الناس بصوتٍ حسن.
وقد ورد عنه ما يؤكد ذلك، مثل قوله: (ليس منّا مَن لم يتغنَّ بالقرآن)[1] ، وما ورد عن أبي موسى الأشعري كذلك من أن رَسُول اللَّهِ قال له: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)[2] ، وكذلك ما ورد عن أئمة أهل البيت من حث على مثل ذلك، ومنه ما ورد عن أبي جعفر الباقر في قوله: (ورجّع بالقرآن صوتك فإنّ الله عزّ وجلّ يُحبّ الصوت الحسن يُرجّعُ فيه ترجيعاً)[3] . فذلك كله يؤكد على الإهتمام الكبير بهذا الجانب.
أما في ميدان الشعر ومجاله، فيقول د/ بدر عبد الحميد هميسه: (حينما حاربت قريش الرسول صلى الله عليه وسلم ودعوته بشعرها وألسنتها وسلاحها, لم يكن هناك بد من أن يحاربها بمثل وسائلها, فحض المسلمين على قول الشعر المنافح عن الحق, المكافح ضد الضلال والشرك, المدافع عن الدين والخلق والعرض. فندب صلى الله عليه وسلم شعراء الإسلام لذلك وحثهم عليه بأساليب متعددة, فقد كان يقول لحسان بن ثابت: "يا حسان اهجهم وروح القدس يؤيدك"، فهم الذين بدأوا بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم والطعن عليه, وبدأ حسان في الدفاع عن بني الإسلام ودعوته, فقال - النبي صلي الله عليه وسلم - : "لهذا الشعر أشد عليهم من وقع النبل" وقال: "أمرت كعب بن مالك فقال وأحسن, وأمرت حسان بن ثابت فشفى واستشفى ")[4] ، وهذا كافٍ للدلالة على مكانة الشعر في الإسلام، وتوظيف الإسلام له … وهو جانبٌ معروف ولا جدال فيه.
إن هذا التوظيف للشعر والعاطفة والمشاعر في خدمة الشعارات والتوجهات والقناعات والعقيدة وتحفيز الأتباع وتحريض الإيمان وإثارته والإستفادة من ذلك في استقطاب التأييد وبث الهزيمة النفسية في قلوب الأعداء، كل ذلك لم يقتصر على الإسلام وحده، بل هو بلا شك لغة بشرية عامة وسائدة.
لذا، فقد كان من الطبيعي أن يتمدد هذا التوظيف من مساحات خدمة العقيدة الإسلامية الصافية والرسالة المحمدية السمحة، ليصل بمده ومداه لسواحل وموانيء خدمة التطرف والإرهاب وعقائد الجهاد الباطلة. والشواهد على هذا القول حية وكثيرة، ويكفينا منها أن نشير هنا لما يحتويه موقع اليوتيوب منها، ومنها مثلاً ما هو مذكور تحت عنوان "نشيد أسامة بن لادن"[5] ، مما يخدم التطرف والإرهاب.
ويمكنني هنا، أن أعتبر "الإذاعة المدرسية"، أرضاً خصبة لبث خطاب التطرف، عبر أناشيد الجهاد التي يكثر إلقاؤها في إذاعاتنا المدرسية المحلية، خصوصاً إذا أخذنا في الإعتبار طبيعة الأرض التي تلقى فيها تلك الأناشيد، وحيثيات الواقع المعاصر المعاش، الذي يسوده التشوه والتطرف في فهم وتفسير الإسلام.
طبعاً، ليس الغرض من الحديث السابق في هذه المقالة، هو مجرد الإشارة لذلك الزخم الهائل من توظيف العاطفة والشعر والإنشاد، في المساحات والميادين سابقة الذكر. فذلك معروف طبعاً، وما تم هنا إنما هو مجرد تأكيد عليه وتذكير به ... وإشارة إليه.
إن الغرض الحقيقي هنا من ذكر ما سبق، إنما هو في الحقيقة، التأكيد على قصور واضح في الميادين المضادة للتطرف والإرهاب والمنافسة له، الداعية للإعتدال والمتمسكة بالخطاب الإنساني والفطرة البشرية السليمة في الساحة الإسلامية وخصوصاً في الساحة المحلية الخليجية والسعودية، في توظيف العاطفة والشعر والمشاعر.
طبعاً، هناك ما هو مضاد ومنافس للتطرف والإرهاب في الساحة العربية الإسلامية، مثل الأنشودة الفكاهية "أنا ارهابي ... لكن طيب"[6] . لكن الموجود في الساحة بالتأكيد، ليس بالقدر المطلوب. وهذا هو محور النقاش في حديثنا هنا وهو بيت القصيد ... والسلام.