الحرية بمعناها الحقيقي
للحرية أبعاد وآفاق ومساحات واسعة، وهي نعمة وقيمة أخلاقية أساسية، وحق من حقوق الإنسان المكفولة له، حيث إنها الأصل في تحمل المسؤولية، ولهذا خلق الله الإنسان وأعطاه الحرية إلى جانب نعمة الوجود، الحرية تسفر عما في خلجات صاحبها من حيث التعبير عن رأيه وممارسة تصرفاته التي تعبر عما يدور في ذهنه. كما أنها ضمان لاستمرار حالة الاستقرار في الدول التي تكفل الحرية لمواطنيها، فإذا سادت الحرية في دولة ما تaتضح مطالب الشعب عبر ممارسة حرية التعبير عن آرائهم ومطالبهم عن قرب، وعلى العكس من ذلك لو سادت حالة القمع، وتكميم الأفواه، والاعتماد على جلب المعلومات من آخر لمعرفة عمل ما، أو تفكير معين فسوف تكون المعلومة مشوشة، بخلاف ما إذا أخذت من منبتها الأصلي، ومن ثم اتخاذ القرار المناسب لحل تلك المشكلة، هذا المثال ينطبق على كثير من الأمور حتى في العلاقات الشخصية والممارسات اليومية. وبالحرية تزدهر حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي والديني، يقول الدكتور جاسر عبد الله الحربش: «في الخمسينيات من القرن الماضي فقط وبعد حروب طاحنة أدرك العقلاء في أوروبا ما أدركه الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأميركية قبل قرنين من استحالة جمع الناس قسراً على ولاء وطني واحد بدون احترام الخصوصيات العرقية والمذهبية داخل النسيج الوطني، اليوم نرى أن الدول المعنية القوية اقتصادياً وعسكرياً هي تلك التي تقوم كياناتها على الاحترام المتبادل والعادل لخصوصياتها الداخلية تحت ولاء واحد هو الولاء الوطني فقط وتقديمه على كل الولاءات الأخرى، ليس لإضعافها والتهوين من شؤونها ولكن لحمايتها من عدوانيتها ضد بعضها والمحافظة عليها». ومع كامل الأسف فقد وصمت بلداننا بالدول النامية لتخلفها وانحطاطها أمام تلك الدول التي وصمت بالدول المتقدمة وقد ساعدهم على ذلك حريتهم في الممارسات العملية وغيرها. صحيح أن هناك حرية منفلتة ومذمومة كما أنه في المقابل هناك سلطة منفلتة ومذمومة. كما أن بعضا من الناس استخدم الحرية لضرب بعض القيم الأخلاقية والدينية وممارسة الرذيلة كالانفلات الجنسي، والحروب الكلامية بين أبناء الطوائف المختلفة باسم الحرية سواء الدينية أو الشخصية. إذن ما هي ضوابط الحرية؟ إن من أهم ضوابط الحرية أن يعيش الإنسان حياة العبودية لله سبحانه وتعالى، وأن يتعامل مع الآخرين كما يحب أن يتعاملوا معه، وأن يعتقد بأنه ليس هناك إله غير الله سبحانه وتعالى، وهناك من يريد نقل بعض التصرفات التي تراها الدول الغربية من صميم الحرية، حيث هناك مفهوم مغلوط عن الحرية، ولعلّ من ضمن ضوابط الحرية هي النظم والقيم الأخلاقية التي تختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر، ففي المجتمعات الغربية نظمهم الأخلاقية قد تجيز لهم الممارسة الجنسية، أو العلاقات غير الشرعية، فبذلك يعتبرون هذه الممارسات من صميم حرياتهم، على العكس من ذلك في مجتمعنا الإسلامي، فالانفلات الجنسي مخالف لنظمنا الأخلاقية والقيمية، وهو خلاف النظام المرسوم من الله سبحانه وتعالى، فممارسته بطريقة غير شرعية تعَدَّ من الانحراف وليس من صميم الحرية.
فباسم الحرية الدينية في عصرنا الحاضر حصلت الحرب الطائفية التي ما زالت تنخر في الأمة، صار الكل يلعب على هذا الوتر الحساس وقد نسي الجميع أن القيم الأخلاقية والدينية تدين هذه التصرفات المشينة، وغير اللائقة لمجتمع يدين بدين كان من أولويات دعوته هي حرية المعتقد، واحترام حقوق الآخرين، حتى وإن لم يدينوا بدين الإسلام، فقد كان في الدولة الإسلامية اليهود والنصارى، وكانوا يمارسون عبادتهم بكل حرية.
هكذا يضع الإسلام قيمة الحرية موضع التنفيذ الحقيقي بعيداً عن الاختلاف العقدي، وبذلك يؤكد أهمية هذه القيمة في حياة الإنسان.