الحفاظ على رموز الآخرين ما هي حدوده؟
كل دينٍ أو مذهبٍ أو آيديولوجية تحتوي على عقائد و شخصيات معينة يؤمن بها من يعتنق تلك المنظومة الفكرية أو الدينية. و هذا الأمر ليس خطأً ولا عيباً فلكل شخصٍ الحق في اعتناق الفكر الذي يريده ولا إكراه في الدين كما قال تعالى: (لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي).
ولكن في بعض الأحيان يقوم شخص تابع لجماعة معينة سواءً كانت فكرية أو دينية أو اجتماعية بسرد بعض الحقائق التاريخية (بوجهة نظر المنتقِد) التي تنتقص من رموز جماعة أخرى. لا ضير في ذلك لأن حرية المعتقد كما أسلفنا هي حق لكل انسان. قال الباري عز و جل: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً أو كفوراً) فالله عز وجل يستخدم كلمة "هديناه" أي أرشدناه و وضحنا له طريق الحق بإرسال الأنبياء والرسل و نصب الأوصياء والأئمة، وإنزال الكتب السماوية ، وإعطائه نعمة العقل، أما الاختيار فهو بيد العبد "إما شاكراً أو كفوراً". كما أن حق هذا الشخص الناقد يزداد شرعية عندما يستند للتحليل المنطقي و التاريخي للأحداث و الذي يأخذ بعين الاعتبار التواريخ التي وقعت فيها الحوادث، الأماكن، العادات و التقاليد في تلك الفترة، سمعة الشخصية عند النبي وأهل البيت ، و المواقف الثابتة أو المتناقضة لتلك الشخصية.
المشكلة التي يقع فيها بعض المنتقدين للشخصيات التاريخية هي استخدام أسلوب السباب و الكلمات البذيئة الغير لائقة بالمثقف أو رجل الدين. و من الطبيعي عندئذٍ أن يقوم المثقفون و حاملوا الهم الرسالي بالتشمير عن سواعدهم لبيان سوء و خطأ استخدام "الأسلوب" أو "الطريقة" الغير علمية في الطرح. إشكالي هنا هو على المنهج والطريقة لا على الجوهر و المحتوى لأن محتوى النقد قد يكون مصيباً بالخصوص إذا كان يعتمد على سرد حقائق تاريخية يستند عليها في إثبات وجهة نظر معينة وهذه الحقائق تم استخراجها من كتب و مصادر تعتبر موثوقة و من أمهات المصادر لدى الجماعة الأخرى.
أعتقد أن الموضوعية و الحياد العلمي التي هي أهم ركيزة في المناظرات و الحوارات العلمية يتم سحقها بسنابك المُقصِين لشخصية هذا الناقد و أفكاره- مثقفاً كان أو رجل دين- فيتم إقصاء هذا الإنسان كلياً فقط لأنه شرح حقائق تاريخية أثبتتها كبار المراجع لدى الطائفة أو الجهة الأخرى. الرد المناسب على هذه الشخصية الناقدة من قبل مريديه يكون بنصحه باِتّباع "أسلوب" أفضل في عرض المعلومة كما قال تعالى: "ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن".
باعتقادي إن ما يحصل عندما يقوم أشخاص لا يؤيدون فكر الناقد بتسقيطه و إخراجه من دائرة الإسلام بدل نصحه و تصحيح "أسلوبه" الحواري هو تسقيط أعمى لشخص ربما يحتوي كلامه على الكثير من الصحة و هو أيضاً ضد مبادئ الحوار والبحث العلمي.