دعوة إلى الإنفصال
لا . لا داعي لأن تشعر بأن قلبك سيتوقف عن الخفقان ولا داعي لأن يرتفع ( هرمون الإندرينالين ) في دمك . فتزداد ضربات قلبك ، وتتسارع موجات تنفسك ، وتتصبب عرقاً ، ويجف اللعاب في فمك ، وتخور كل قواك ، وتفقد توازنك ، ويصفر لونك ، وترتبك الرؤية لديك ، وينكمش جلدك ، ويقف شعر رأسك ، وترتعد فرائصك ، فمن تقرأه لا يفقه البتة في الشأن السياسي ، بل ولا يتعاطاه ، ويتفادى لعنته ، ولا تستهويه لعبته القذرة ، كما أنه ليس (راديكالياً ) أو متطرفاً . بل مسالماًً وتوافقياً حتى النخاع .
إذن : إذا كان هذا هو الحال . فما هو المقصود من هذا العنوان العريض المثير ؟؟ إليكم الجواب :
لقد كتب الدكتور ( وين دابليو . داير ) في كتابه ( المنطقة الخاطئة ) يقول : (( إذا كنت تعتقد أن الشعور بالإستياء والقلق لمدة طويلة سوف يغير الحقيقة ، فأنت إذن تعيش على كوكب آخر له نُظم مختلفة )) .
إن القلق والوساوس يجعلان أذهاننا منشغلة ، حتى أننا لا نستطيع حل مشكلاتنا ، وعندما نكون مرتبطين بشخص أو شيء ما بهذه الطريقة فإننا بذلك ننفصل عن أنفسنا ، ونهدر طاقتنا وقدراتنا على التفكير السليم ، والشعور والعمل والعناية بأنفسنا كما أننا بذلك نفقد السيطرة على ذاتنا .
قال الإمام علي ( ع ) :
(( ميدانكم الأول أنفسكم فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر ، وإن خُذلتم فيها كنتم على غيرها أعجز . فجربوا الكفاح معها أولاً )) .
إن حالة التملُّك أو التعلُّق الشديد بشخص أو مشكلة ما ، هي أبشع ما يمكن أن يسيطر علينا . هل رأيت من قبل شخصاً شديد الإرتباط بشيء أو شخص ما ؟ إن هذا الشخص لا يمكنه الحديث عن أي شخص أو أي شيء آخر . حتى إذا بدا هذا الشخص على أنه ينصت إليك أثناء الحديث ، فتأكد أنه لا يسمعك ، فإن عقله يدور في موضوعات أُخرى . حيث إن الإهتمام والإرتباط المرضي بالغير يحولنا إلى ( قواقع تحتوي حياة الآخرين ) .
ربما نشأ البعض منا وبداخله سلوك من : الإرتباط ، والقلق ورد الفعل ، ومحاولة السيطرة ، وتحوَّل ذلك بفعل التكرار والإستحسان إلى عادة ونستمر في القيام بذلك . وقد نشعر بالخوف من الإبتعاد والنسيان ، لأنه عندما يتم نسيان الماضي تحدث أشياء مُخيفة . فقد نرتبط بأشخاص _ نعيش حياتنا من خلالهم _ لمدة طويلة جداً لدرجة أنه لم يعد لدينا حياة خاصة نعيشها . لذا فإننا نشعر بأنه من الأكثر أماناً لنا أن نظل مرتبطين بهم .
قد لا يدرك البعض إننا _ بهذا التصرف _ نرهن أنفسنا لهؤلاء الأشخاص ، أو لتلك المشكلات ، وإننا من جرَّاء ذلك نعيش في توتر شديد ، وقد يعتقد البعض منا أنه ليس أمامنا خيار آخر سوى الإستمرار في تلك العلاقة لأنها قدرنا المحتوم ، وفي كثير من الأحيان عندما أقترح على من يلجأ لإستشارتي من الناس ( ذكوراً أو إناثاً ) أن ينفصلوا عن شخص أو مشكلة ما ولو لبعض الوقت ، فإنهم يعرضون عني في خوف عميق ، ويقولون بكل وضوح ( لا ) إنني لا أستطيع أن أفعل ذلك . إنني أحبه جداً وأهتم به . إن هذا الشخص أو المشكلة مهمة جداً بالنسبة لي . يجب أن أظل على هذا الإرتباط . وإجابتي له أو لها : ( من قال إنه يجب عليكم فعل ذلك ؟؟ ) .
إن الإنفصال هو التحرر أو الإبتعاد عن شخص أو مشكلة ما نحن مرتبطين به أو بها ، إننا نحاول إبعاد أنفسنا ذهنياً وعاطفياً وأحياناً بدنياً من ( ارتباطنا المؤلم ) وغير الصحي بحياة شخص ما ومن المشكلات التي لا نملك عصاً سحرية لحلها . إن الإنفصال لا يعني بأي شكلٍ من الأشكال الإبتعاد العدواني أو البارد عن من نحب أو التنحي عن التفاعل مع الآخرين ومشكلاتهم ومساعدتهم لتخطي العقبات التي تعترض طريقهم . أو عدم المبالاة بهم وبشئونهم . إنما الإنفصال هو : إدراك أن كل إنسان مسؤول عن نفسه وما نحن سوى داعمين له ، ولا يجب علينا أن نعيش حياته بدلاً عنه أو نجعله مسيطراً على حياتنا . بل يجب أن نتعامل بواقعية معه من خلال الإيمان بالله ، والثقة بالنفس والآخرين ، وبقوانين الطبيعة ، والتحرر من الهموم . والإستمتاع بالسكينة والشعور بالسلام الداخلي ، والقدرة على منح وتلقي الحب ، والتفاعل الإيجابي مع الآخرين .
لا . لا تخافوا من الإنفصال عن من أصبحتم مسكونين بهم وبمشكلاتهم ، جربوا الإنفصال مع الحب أو مع الغضب ، جاهدوا لكي تنفصلوا ( عنه ، عنها ، عنهم ) ولو للحظة . إنني أعلم جيداً أن الأمر صعب . ولكنه سيكون سهلاً بالممارسة التصاعدية إذا لم يكن بوسعكم الإنفصال بشكل قاطع ومباشر .
استرخوا واجلسوا وتنفسوا بعمق ثم ركزوا على أنفسكم فقط وحاولوا الإجابة على هذا السؤال : هل يمكن أن تكون درجة حرارة الوعاء أكبر من درجة حرارة الحساء . ( أرجوك يا أميره ) .