صوت المعركة
من أكثر الأعذار التي تسطرها الحكومات العربية في تبريرها لتخلفها عن ركب الحضارة والتقدم الإنساني هو عذر الصراع الدائم مع العدو الصهيوني، وأنه نتيجة لهذا الصراع الطويل والصعب ودعم الكفاح المسلح وغير المسلح، نتج عن هذا استنزاف ثروات هذه البلدان، وتكريس طاقاتها للدفاع عن القضايا العربية والإسلامية، فعندما تطرح عليهم أي تساؤل عن سبب تقدم الآخرين وهم لا يمتلكون حتى عشر ما تملكه هذه الدول من ثروات طبيعية وبشرية، بينما نحن نهرول للوراء، سيأتيك الرد بأن قضيتنا الأولى هي فلسطين وأفغانستان، ودعم السودان، ونحن لا نستطيع أن نفعل كل شيء في وقت واحد. أو سيأتيك من يدعي أن المؤامرة العالمية ضد العرب والمسلمين هي السبب الرئيس في تخلفهم، وسيأتيك آخر يقول لك بكل ثقة أن هذا التخلف هو عقاب إلهي على هذه الشعوب لمعاصيها وآثامها، وهكذا تضيع بين التبريرات المتلونة بحسب الشخص المسؤول وأفكاره.
إسرائيل تعاني من نفس هذه الأعذار الواهية، فهي كيان صغير أو مسخ زرع بالقوة في أرض ترفضه، أي كمن يزرع نخلة على قمم الألب، إسرائيل تشعر بالتهديد والكره من الشعوب المحيطة بها، ويشعر المواطن والحاكم في إسرائيل بحجم جرائمه وفظائعه التي ارتكبها منذ بداية هجرة الصهاينة إلى فلسطين إلى الآن، ومهما بلغ الصهاينة من الإجرام، إلا أن الضمير الإنساني لا يموت، وسيظل يحدثهم بجرائمهم التي ارتكبوها بحق الإنسانية، ولكن ومع اجتماع هذه الظروف الصعبة على إسرائيل إلا أنها تتقدم في كل المجالات.
الجامعات الإسرائيلية تتصدر جامعات العالم في الأبحاث الطبية والتكنولوجية، الشركات الإسرائيلية مازالت تحقق أرباحا قياسية، وتعتبر إسرائيل محط الاستثمارات الأول في الشرق الأوسط، ومازالت إسرائيل تنمو اقتصاديا بمعدلات متقدمة عن معظم الدول المحيطة بها، أما على الصعيد العسكري فحدث ولا حرج، فالجيش الإسرائيلي هو الأقوى والأعظم في الشرق الأوسط، ويعد رابع أقوى جيش في العالم، ويمتلك من التكنولوجيا ما عجز الروس والصينيون والأميركان عن الوصول إليه، ويتمتع الموساد الإسرائيلي بقدرات عالية ودقيقة مكنته من اختراق البيت الأبيض نفسه في عهد الرئيس كلينتون. من هنا نرى أن إسرائيل تمر بنفس الظروف التي تمر بها الدول العربية، بل وأصعب منها، فالحروب الإسرائيلية لا تنتهي، ولن تنتهي حتى طردهم من فلسطين وتحريرها من النهر إلى البحر، وعلى الرغم من هذا كله، تتفوق إسرائيل على جميع الدول العربية مجتمعة.
إن الدول العربية لم تنجح لا في هزيمة إسرائيل بالرغم من أنها تدعي بذل الغالي والنفيس في هذا المجال، ولا نجحت في إحراز أي تقدم حضاري ملموس عالميا، فمازالت الدول العربية تتصدر قوائم الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، وتتصدر قوائم الأمية في العالم وما زالت شعوبها ترزح تحت طبقات الفقر المدقع.