سفينة نوح وسفينة الحسين !
أستخدم الإنسان السفينة أو الفلك ( بضم الميم ) منذ وجوده على الأرض لقهر البحر، ولبسط نفوذه وإثبات وضع يده على أملاكه وفتوحاته الجديدة ، ولجلب ونقل ( استيراد وتصدير ) حاجياته وممتلكاته وخاصة أفكاره ( علومه ) ، لهذا كانت السفينة من أفضل وسائل السفر لدى الإنسان لتنقلات كيانه ( جسداً وفكراً ) ، كنقل الأحرار و العبيد ، في السلم و الحرب ، ولقد عرفت معظم الحضارات الإنسانية السالفة طرق شتى لتصميم وهندسة بناء السفن، حيث بات معروفاً إن طراز كل السفينة يشير إلي حضارة معينة ، ولذا فإن حطام كل سفينة يعد كنزاً وأرشيفاً من الوثائق والأرقام التي تنفع المهتمين لدارسة حضارات الشعوب.
ومن أشهر السفن في تاريخ الإنسان ( سفينة نوح ) وقصتها العظيمة ، والمؤكدة تواتراً في الكتب السماوية ، حيث قـوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم : ) فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك) المؤمنون 27، ولذا ُعد النبي نوح (عليه السلام ) الأب الثاني للبشرية بعد جده آدم ( عليه السلام ) ، فبزوال الطوفان بدأت أرقام النفوس البشرية والحيوانية العد من جديد ، وبدأ الإنسان صفحة جديدة مع ثلة من صفوة المؤمنين ( الناجين ) وهم نوح وأهله ، وكذلك بدء حياة جديدة من الحيوانات المنتقاة من قبل نوح بأمر السماء ، وترك بعضها لإتقانها التعامل مع ماء البحر( السباحة ) بعد استواء ( أي استقرار ) السفينة على أرض الجودى ، والتي قيل إنها منطقة جبال آررات جنوب شرق تركيا على الحدود العراقية السورية .
الأن سنتحدث على سفينة من نوع أخر كان عليها عبئ إنقاذ ونجاة الإنسان من طوفان نزعة الشر ، والتي بدأت من عالم الذر وامتدت في صلب قابيل أبن آدم عليه السلام ، فقال الخاتم محمد صلى الله عليه وآله ( إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة ) المنتخب للشيخ الطريحي، ص 203 ، فالحسين عليه السلام نتاج النبوة والإمامة ، وهو إمتداد لتقلب الساجدين من صلب الأنبياء حتى جده محمد عليهم السلام ، وللحفاظ على قوة نزعة الخير أمام نزعة الشر ، فقدم روحه وأرواح أهل بيته وأصاحبه قرباناً لإنقاذ ولبقاء استمرارية الإنسان الخليفة ( الوارثون ) .
كان الحسين عليه السلام يعلم إن عليه تكليف ( التضحية ) من أجل إسعاد البشرية ومن أجل بذر روح العزة والكرامة ، وهذه المهمة خطة إلهية ( في اللوح المحفوظ ) نهجها الأنبياء وختمها جده الخاتم وعضده أبوه الوصي عليهما السلام ، وهو من سنـخ ولب وعصارة الشجرة الطيبة، والتي تحمل نفس المعتقدات والأفكار السماوية، وتتغذى من نفس النهر ( الفكر ) الذي تغذى عليه أجداده الأنبياء الهادين ، فكان على أخيه الإمام الحسن عليه السلام تمهيد وتهيئة طريق التضحية ( قربان كربلاء ) ، حتى خرج بأبي هو وأمي من مكة ليستقـر في أرض نينواء أو كربلاء لتقديم القربان المعد له ، فتم ذلك على ارض المذبح المقدس ، تنفيذاً لوعد القرآن لإبراهيم الخليل عليه السلام ( بذبح عظيم ) ، فقدم دماء زكية طاهرة بوجود شهود من النساء والأطفال وفي مقدمتهم أخته زينب عليها السلام ،
ماهو أوجه الشبه والاختلاف بين السفينـتين ؟
قال تعالى : ( فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين ) سورة العنكبوت 15 ، وقال النبي صلى الله عليه وآله ( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تركها غرق) الطبراني المعجم الاوسط 6/85 ، فالعنصر المشترك بين السفينتين هو ( النجاة ) مع إختلاف الجوهر ، فنوح عليه السلام ترك شرار الناس ونجى بنفسه ومن أتبعه حتى أستقر بالجودى ، ثم كـّون جيل جديد وحياة جديدة ( فأصبح آدم الثاني للإمتداد البشري ) ، أما الحسين عليه السلام فهاجر من مكة ليدحض نزعة الشر التي تريد هدم القيم والتعاليم السماوية وليقيم الحق وأهل الحق ، حتى قتل بأيدي الذين بكى عليهم دخولهم النار( فأصبح المكمل لرسالة جده ) فالإسلام محمدي الوجود وحسيني البقاء بإمتداد نهضة دمه الحي سقيا للإسلام وللمؤمنين والشرفاء من بني الإنسان ، حتى تصل المهمة إلي صاحب العهد الذي أخبرت ووعدت به السماء .
فالنبي نوح عليه السلام حافظ على النوع الحيواني الجسدي كي لا يفنى وينقرض ، أما الحسين عليه السلام فحافظ على الروح الإنسانية والسمو الأخلاقي كي لا يهتك ويترك ، والذي بعث من أجل إتمامه جده وأبوه ، كغـرس شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، ومدادها دمه ودماء أبناءه وأصحابه المؤمنين . لذا أصبح بجدارة مع أخيه سيدا شباب أهل الجنة ، فلا زال ولا يزال دمه يسقي الإسلام بلا انقطاع حتى أصبح ( ترياقاً للحرية إلي يوم الدين ) .