تعانقوا تصحوا ..
قال لي : منذ زمن طويل جداً جداً بتلقائية وحتى قبل أن أبلغ مرحلة النضج العاطفي ، وأنا أُمارس هذه العادة الطيبة - حسب إعتقادي - ذات البعد الإنساني التفاعلي الكيميائي ( سراً وعلناً ) سواء في منزلي داخل محيط عائلتي ، أو في إطار محيطي الإجتماعي مع الأرحام والأقارب والأصحاب ذكوراً ( وإناثاً من الذين يدخلون ضمن دائرة المحارم الشرعية ) من مختلف الأعمار، وذلك كلما إلتقيت بأحدهم / بإحداهن، وكانوا وما زالوا جميعاً يشاطرونني هذا السلوك الجميل دون ملل أو كلل ، أو (غيرة مَرَضِيَّة ) من أزواجهن ( ولله الحمد ) تقذف بي إلى الوادي السحيق على بُعد 500 م عنهن تماشياً مع مبدأ السلامة وكأنني صهريج بترول قابلاً للإشتعال .
وأضاف قائلاً وأنا أنصت إليه بإعجاب وسرور :
في بعض الأحيان عندما يأخذني الحنين إليهم / إليهن ، وتُبعدنا مشاغل الحياة ثم ألتقيهم / ألتقيهن ، لا أكتفي بالعناق بل أدعمه ( بكبسولة ضم حانية ) تعيد لنفسي السكينة والهدوء وتطفئ لهيب شوقي لهم / لهن . وتجعلني أشد توازناً وإنسجاماً مع ذاتي وأكثر إقبالاً على الحياة والمشاركة في دورة التنمية والإنتاج لأنني ( كما يقول ) قد أعدت شحن ذاتي (بدلاً من التوقف عند شحن جوالي فقط ) الذي يحرص عليه الكثيرون ، وتسوء حالتهم النفسية إذا ما فرغت بطاريته ولو للحظة ، حيث تضيق الفسيحة في عيونهم ، ويتوقف نبض الحياة في عقولهم ، ويشعرون وكأنهم خارج دائرة الزمن .
تساءلت وهو يسرد هذا السلوك التوافقي الحميم ( يا ترى ما هي نسبة الذين يواظبون على هذا التواصل الأسري الحميد في المجتمع ؟ ) وهل يُمثل هذا النموذج القاعدة أم الإستثناء في مجتمعات تتحول فيها العادات ( في بعض الأحيان ) إلى دين أو مُعتقدات تحل اللعنة على كل من يخالفها أو يحاول المساس بعذريتها ، أو يتجرأ على التفكير ولو في إعادة إنتاجها بصورة أفضل مع حرصه الحفاظ على ( الحشمة والوقار ) .
إنني لا أعاني – ولله الحمد - من أنيميا الحب أو التنافر الكيميائي في عائلتي أو المحيطين بي ، ولكن أعجبني هذا ( الرجل الشجاع ) الذي أدرك مبكراً أهمية الإيداع في ( حساب البنك العاطفي ) وتعزيز رصيده فيه ، وأفلت بجلده من الأزمة المالية الخانقة التي أمسكت بتلابيب الكثيرين بعد أن خوت حساباتهم ، ونظفّت جيوبهم ، فلم يجدوا من يضمهم أو يحتويهم ويخفف عليهم محنتهم فوقعوا في مصيدة الإكتئاب بعد أن أوصدت أمامهم الأبواب ، وتخلى عنهم الأحباب . وباتوا فريسة سهلة للخديعة للجهل والقهر والفقر واليباب .
كم نحن بحاجة إلى بداية شجاعة ( كبداية هذا الرجل الشجاع ) الذي يمارس الحب والإحترام والتقدير العائلي في أسمى صورة ، غير مكترث إلاَّ بالواحد الأحد الفرد الصمد .
وكم نحن أيها الأحبة بحاجة إلى من يبادلنا العناق ( دون خناق ) ونعزز بذلك ثقتنا في أنفسنا ، وثقة الآخرين فينا ، ونمنح الحب ونتلقاه بشكل يوفر لنا الطمأنينة والأمن النفسي في بيئة أُسرية راسخة متينة قادرة على الوقوف بشموخ في وجه الرياح والأعاصير والحملات القادمة لنا من التتار الجدد ( العابرة للقارات ) .
- لماذا لا نتعانق ونضم بعضنا إلاَّ في المصائب ، والحوادث ، والكوارث ، والصواعق ، والحرائق ، والمآتم ، والزلازل ، والمحافل .... ؟
- لماذا نعجز عن التعبير عن مشاعرنا التي وهبنا الله أدوات فعالة لا تشيخ للتعبير عنها لمن يستحقها ما حيينا ؟
- لماذا هذه الإعاقة الغير مُبررة لإشاعة الطمأنينة والحب والسلام من حولنا ؟
- لماذا أيها الأحبة لدينا القدرة للتعبير عن الغضب وبكفاءة عالية ، وتعصب منقطع النظير ، بينما نكبت التعبير المباح عن الحب الحقيقي الذي ( لا مضنة للشهوة فيه ) .
- لماذا نتحاشى أن نضم أو نُقبِّل ( بناتنا ، وبنات بناتنا ، وأخواتنا وبناتهن ، وبنات بناتهن) على وجه الخصوص عندما يبلغن سن التكليف أو يتزوجن أو يصبحن أمهات ؟
- لماذا نستاء من منظر الألفة والحنان بين الناس ( أحياناً ) أليس ذلك إنسجاماً مع الصورة النمطية الموجودة في نظام تفكيرنا أو ما يُسمى بـ ( نظام القبليات ) لدينا .
- لماذا نحاول جاهدين أن ننهي حالة العناق الضروري ، ونفصل بين المتعانقين عند فقد الأحبة والتعبير الطبيعي عن حالة الحزن الإنسانية ؟ ونحسب أنفسنا أننا بذلك نُحسن صنعاً !!! قائلين : إذكروا الله . ( لا إله إلاَّ الله ) .
هل تعلم أيها الحبيب اللبيب إن هرمون ( الإندرينالين ) يصاحب دائماً حالات القلق والتوتر والتأهب والتحفز ويؤدي إلى إرتفاع ضغط الدم ، وتسارع ضربات القلب ، والشعور بالصداع والغثيان ، وفقد القدرة على التوازن ، وتصلب وإتلاف الشرايين ، والإصابة بالذبحة الصدرية و... و .. و...... ؟ ( حماكم الله ) .
وهل تعلم أيضاً إن الطريقة الوحيدة لخفض هرمون ( الإندرينالين ) هو إستبداله بـ ( هرمون الإندروفين ) أو ما يُسمى بـ ( هرمون السعادة والإسترخاء ) وإنَّ هذا الهرمون تزداد نسبة إفرازه في الجسم عبر وسائل متعددة تأتي ( عملية الضم ) والإحتواء في مقدمتها .
وهل تعلم إن أهمية الكلمات في الإتصال المباشر ( وجهاً لوجه ) مع الناس تبلغ نسبتها 7% فقط ، بينما تبلغ أهمية حركة الجسم ( Body Language ) 55% ، وتمثل أهمية نبرة الصوت 38% .
وهل تعلم يا عزيزي كم يحتاج المرء منا من الضمَّات يومياً ( ذكراً كان أم أُنثى ) لكي يعيش ، ويصون نفسه ، وينمو بشكل طبيعي ؟
وهنا أخالك أنك ترغب مني تذكيرك بتلك المقادير . حسناً إليك ذلك :
· 4 ضمات في اليوم للمعيشة .
· 8 ضمات في اليوم للصيانة .
· 12 ضمة في اليوم للنمو .
هذا يعني أنه : لكي يعيش الإنسان ( مهما كان عمره ) بشكل منسجم مع ذاته ومحيطه الإجتماعي فهو يحتاج إلى ( 24 ) ضمه صادقة ومخلصة يومياً .
أي بمعدل ( ضمة واحدة كل ساعة) . أكيد هناك من يستصعب ذلك ويراه خللا ذهانياً أو إفراطًاً عاطفياً ومضيعة للوقت. حسناً : فهل من الممكن وضعها في كبسولات وتناولها كل صباح ومساء دون فضل أو منة من أحد ؟ أعتقد أنها فكرة مربحة تستحق التفكير من المستثمرين !! ولا يفوتني قبل أن أودعكم التأكيد بأن الضم والعناق لا يخص ( بني آدم فقط ) بل إنه يشمل أيضاً عالم الحيوان ( كرمكم الله ) والنبات ، والجماد . الكل يحتاج إلى من يعانقه ويُسعده ويواسيه ويحتويه .
أما أنا بعد الضم فأحتاج فقط إلى دعائكم ما حييت ، وبعد الممات أطال الله في عمركم وطيَّبَ أوقاتكم .