مهجورات في ملف النسيان
نساء مقيدات تقبعن بين أسوار المنازل, محرومات من حقوقهن كزوجات وأمهات, تعشن الإهمال بكافة مستوياته دون حسم لطبيعة العلاقة الزوجية من المعاشرة بالمعروف أو النفقة. فالمرأة لا تعرف نفسها بالمتزوجة حيث الحرمان من حقوقها كزوجة, ولا بالمطلقة لتخرج من بيت الزوجية وتحظى ما حضت به المطلقات من فك القيود, أومن دعم الدولة المادي.
هذا حال كثير من النساء المغلق على ملفاتهن الأسرية أبواب المنازل, لكن التغلغل في أعماقهن يرينا الزوجة المكسورة الجناحين المهمشة الحقوق, حيث المعاملة القاسية والحرمان المادي, فلا تهنأ كما تهنأ مثيلاتها من النساء بعلاقة زوجية خاصة, ولا بمصروف توفر لنفسها ما تحتاجه كل إنسانة, فالمنزل الذي ينبغي أن يكون سكنا وترفرف فيه المودة والرحمة يتحول إلى "فندق" للزوج يأكل ويشرب ويغير ملابسه وينام في حجرة بمفرده، "والويل لمن ينغص عليه تلك المهمات"!, فقد جاء في الحديث "إن المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلال يتكفلها وإن لم يكن في طبعه ذلك معاشرة جميلة وسعة بتقدير وغيرة بتحصن".
بكل بساطة نقول لهذه الزوجة اطلبي الطلاق وفكي قيودك لكن معوقات الطلاق أمامها كثيرة منها: إن طلب الطلاق سيكلفها مبلغا من المال حتى يخلع الزوج عقد الزوجية, بالرغم أن الحكم الشرعي يجّوز للمرأة أن تبذل مالاً لزوجها دفعا للأذى وحفظا للنفس, لكن يُحرم على الزوج أخذ هذا المال, لأنه في غير وجه حق, فكيف بمن يطلب الآلاف لكي يخلع عقد الزوجية!.
وكذلك من المعوقات وجود مجموعة من الأطفال فإذا تطلقت أما يتنصل الزوج من مسؤوليته كأب, بالتالي مصيرها وأطفالها التشرد, وإما أن تُحرم من أبنائها ومن تربيتهم.
هذا الحل ليس جذريا بل الحل يكون بين أروقة المحاكم, وهو وضع قانون أسري مستمد من الشريعة السمحة يلتزم الأزواج به, لأن هذه الطريقة قد تكون خير رادع للزوج الذي يحاول إخضاع زوجته من خلال النقص المادي أو التجويع, أو تجبره المحكمة إما أن يُنفق عليها ويبقيها مع أولادها, وإما أن يطلقها ويضمن للأولاد حقوقهم, وإذا كان الزوج ناشزا ولم يرتدع فالحكم يقتضي أن ينفق الحاكم الشرعي من مال الزوج رغما عنه ولو ببيع عقاره, وإما في ما يتعلق بغير النفقة كالمعاشرة بالمعروف- أي ان تكون علاقة الرجل بزوجته منسجمة مع تعاليم الشرع وأعراف المجتمع- فيجوز للحاكم إجباره بذلك فإن أبى قام الحاكم بتأديبه بما يراه مناسبا من سجن وغيره, وإن أبى طلقها الحاكم إذا أرادت الزوجة ذلك لأنه ولي الممتنع- الزوج-, فالمرأة تحت ظل الحكم الإسلامي تُحتَرم كزوجة, وتُحتَرم كإنسانة لها حقوقها الزوجية والإنسانية.
إن ما يقوم به بعض الأزواج من تجيير بعض الأحكام الشرعية لصالحهم مثل هجران الزوجة بحجة أنها ذُكرت في القرآن الكريم ونسي أن الشرع حدد الهجر بالانفراد عن الزوجة وقت النوم, أو أن يدير الزوج ظهره لها إذا ناما في مكان واحد, والهجر يكون في الفراش فقط, أما بقية الأمور المطالب بها الزوج لزوجته لا بد من الالتزام بها كالنفقة وغيرها, لكن جهله بذلك يجعله يتمادى في الهجران سنوات طويلة ويكون هجرانه لزوجته في كل ما يتعلق بها.
أما من الجانب الأخر فالضمان الاجتماعي أهمل الزوجة المهجورة فهو لا يقدم لها شيئا بدون أن تأخذ صك من المحكمة يبين أنها مهجورة, ونظام المحاكم يمنع إعطاء المهجورة صك الهجران, ويطالب المرأة بإقامة دعوى قضائية على الزوج بطلب الطلاق, هذا القانون يجعل الزوج يتمادى ويتفنن في تعذيبه لزوجته بسبب الغياب الحقيقي للجهات المسئولة, ولأنه يرى كل القوانين تكون في صالحه حتى اتفاقية سيداو التي وقعت عليها المملكة عام 2000م وتحفظت على بعض بنودها لأنها مخالفة للشريعة الإسلامية, لا يمكن تطبيقها في ظل غياب مدونة أو مرجعية تشريعية وقانونية واضحة في ما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية المتعلقة بالمرأة، كقضايا الزواج والنفقة والطلاق.
فحبذا لو يكون هناك قانون أسري من الجهات المختصة يلفت انتباهه إلى النساء المهجورات من أزواجهن ليتحسن وضعهن المادي ولو من خلال التقصي لمن يراجع مكاتب الضمان الاجتماعي, ليُدرَجن مع مثيلاتهن من النساء اللاتي أشار إليهن مدير الضمان الاجتماعي في منطقة مكة المكرمة محمد اللحياني لـ"جريدة عكاظ" 8 ديسمبر2010 حيث بيّن وجود وحدة نسائية تستقبل الأرامل والمطلقات والمعوقات وإجراء حالات التقصي لإدراجها في بيانات الضمان الاجتماعي" حتى لا تبقى المرأة بين أسرة تهمش حقوقها, وبين مجتمع يرضى بظلم نصفه المعطل, وبين أحكام مغيبة في دهاليز المحاكم.