رواة الباطل
يذكر إبن خلدون في مقدمته في باب " طبيعة العمران في الخليقة " أن هناك أربعة أسباب تدفع الناس إلى الكذب في نقل الخبر ، وتزييف الحقائق ، وهي :
1. التشيعات للآراء والمذاهب.
2. الثقة المطلقة بالناقلين للأخبار .
3. التقرب لأصحاب التجلة والمراتب بالثناء والمدح وتحسين الأحوال وإشاعة الذكر بذلك.
4. الجهل بطبائع الأحوال في العمران ، كالجهل بالحقائق العلمية .
وقد يكون العالم " توني بوزان " الذي ظهر مصطلح " الخرائط الذهنية Mind Mapping على يديه في نهاية الستينات من القرن الماضي ، قد تطابق إلى حد كبير دون أن يدري مع إبن خلدون في العوامل المؤثرة في تشكيل القوالب الفكرية ، حيث يذكر أن هناك أربعة عوامل تساهم في تشكيل وصياغة الخرائط الذهنية للبشر ، وهي : ( البناء ، الحذف ، التشويه ، التعميم ) .
وسواء إتفقنا مع إبن خلدون ، أو إختلفنا ، في رؤيته تلك ، فإننا لا نختلف معه على الإطلاق في أنه بإسقاطها على الأحداث والوقائع منذ نشأة الكون حتى المستقبل المنظور ولربما حتى قيام الساعة ، تتأكد مصداقيتها بلا جدال .
فكم بيننا من يمتهن قلب الحقائق ، وتزييف الوقائع ، وتشويه الأحداث ، لكي ينسجم مع هواه ، وما يستبطنه من أهداف ومآرب لا تصب إلا في مصلحته ، أو مصلحة من خلفه من أباطرة التأزيم ، والتصعيد . في كل تجمع إنساني تصادفه هنا أو هناك ، ستكتشف تواجد من يحلو لهم الخربشة اللاأخلاقية على قرص الشمس لتبدو أشعتها متكسرة كضمائرهم الملوثة ، وستجد أيضاً من يعاني من الجوع الدائم لإراقة دم الصدق في مسلخ الضلال .
في كل الأزمنه كان هناك من يقتات على معاناة الآخرين ، ويستمتع بالرقص على المقابر ، لا يمانع البته في أن يبيع ضميره في سوق النخاسة من أجل تحقيق مصلحة زائفة ، ومودة جانفة ، ومدح معسول ، وتقرب مغلول . هؤلاء الذين هم سُعداء في شقائهم لا تنتظر منهم أن تخفق قلوبهم المتحجرة ، ولا أن يرف لعيونهم جفن ، وهم يستخدمون الحذف ، والتشويه ، والتعميم ، والبناء الآثم ، أدوات خبيثة لتشكيل خرائطهم الذهنية ، وتسويق منتجاتها الفاسدة في كل إتجاه .
الأهم - يا عزيزي – هو أن تتسلح باليقظة والحذر ، وأن لا تتنازل عن مبادئك التي طالما كانت الحاكمة لسلوكك القويم ، لا تتعامل بردود الأفعال ، ولا تنساق وراء أساليبهم الملتوية ، لأن الحق لا يضره إجحاف ، تماماً كما لا يضر الشمس أطباق الطفل . تحياتي .