الهواء بترخيص !!
حينما توشم الناقة فإن منظمات حقوق الحيوان ستتكلم، وكثيراً من الصحف قد تنشر مراسم وشم النوق، وتزدحم كآمرات البث لحماية الإبل ومشتقاته، ولنا قبلهم المثل الأعلى في رسول الله إذ يقول : (أما بلغكم إني لعنت من وشم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها)، فالشريعة ترحم الحيوان قبل تلك المنظمات الحديثة، بل نجده يدافع عن سجن القطط، و" في كل ذات كبد رطبة أجر "، قالها في حق" كلب " عطش !!
ولكن السؤال : هل بني الإسلام تمسكوا بهذا النهج؟! أم أن الوقيعة تتكلم بلسان طلق في بني البشر؟!، فترى أن لا حرمة للدم والآدمية، فهذا يستشفي من ذلك لصورة معلقة، أو للافتة مذيلة، أو لعبارة منحوتة، أو لقماشة مخطوطة، أو لكلمات مكتوبة على زجاج سيارة ...
إنه التسلط والكبت، لكل جارحة أو إرادة تحاول أن تستنشق النسيم، أو تعبر عن ما يختلج في الأعماق من مشاعر وأحاسيس، متى سينكسر القمع؟!، متى سيفتح الرحب الفسيح الذي ضيقناه بغرورنا الذي أملاه علينا الشيطان الرجيم؟!، إن الدين الحنيف يفتح الحرية حتى في الأديان، إذ (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، فما دونه من باب أولى أعمق في التأكيد .
ولم نستغرب التسلط حتى في الأروقة الإلكترونية، أفتح ما شئت من المواقع ستجد الصفحة الخضراء تلاحقك: (عفواً، الموقع المطلوب غير متاح)، رغم أن الكثير منها غير إباحية الهوى والمقصد، ولا نستغرب حينما يحتم على كل موقع، أو منتدى، أو مدونة طرق باب الأذن للتكرم على الناس بورقة ترخيص، أو وثيقة إفساح؛ فالأقلام كالمعاصم تقيد كيفما يشاء المستعبد، وإلا فإن هذه الصفحات تعد جريمة وجناية، وإن كان منشوراً بها القرآن الكريم والسنة المطهرة، ألم ينتقد موسى شموخ وغطرسة الفرعون إذ قال : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ)؟!، فهل ستكون لدينا القابلية للاستعباد، أم إننا نرفض الاستعباد والاستحمار بكل صنوفه وألوانه؟!
إننا نخشى أن نتنفس الهواء بترخيص يوماً ما، ونخشى أنه لا يحق لنا شرب الماء إلا بعد أخذ الأذن حتى لا تدون مخالفة ضد الظمآن !
وفي خبر لافت نشرته شبكة راصد الإخبارية جاء في مطلعه : " أصدرت المحكمة الجزئية بالقطيف حكما بالسجن لمدة تسعين يوما على مواطن شيعي على خلفية كتابة شعارات مؤيدة للمقاومة الإسلامية في لبنان على زجاج مركبته "، هل خالفت هذه الكلمات دين الله؟! هل تعد هذه العبارات مناهضة لبلد السلم والأمان؟!، هل يستحق هذا الشاب البقاء في السجن طول هذه الفترة لعبارات بسيطة اعتاد الشباب كتابتها وكتابة مثلها على زجاج سياراتهم الخاصة، إنه شاب كغيره من الشبان المتحمسين الذين يعشقون إلفات الآخرين ببعض العبارات البريئة التي ينفس بها عن مشاعره وأحاسيسه وما يختلج في صدره من حب؛ لمقاومة إسلامية أذلت شوكة إسرائيل وغطرستها الصهيونية، فهل وضع بصماته الفنية على زجاج سيارته، يعد جريمة يحكم بسببها في السجن ثلاثة أشهر ؟!
في الآونة الأخيرة ارتفعت مجموعة من العقائر المؤذية، تدشن أفيون الطائفية، وتشم أدنى رائحة؛ لتضع المقاصل والحراب في الأعناق، هذه الثقافة هابطة يرفضها كل مسلم، يراقب الله ويخافه أن يعصيه في هرة أو نملة، فضلاً عن أخ له في الدين والوطن والإنسانية والجوار.
لكل مجتمع طبائعه ومهرجاناته الشعبية، ومنطقة القطيف كغيرها من المناطق والمدن، لها مناسباتها السلمية والبريئة التي لا دخل لأي سياسة بها، إذ توارثوها عبر الأجيال، كمناسبة مولد الإمام الحسن في نصف رمضان وغيرها، حيث يتباهى الفتيان بسكب مهاراتهم الفنية على زجاج سياراتهم وغيرها من الأنشطة العفوية، فلماذا تقولب التهم لتزكم الأنوف من روائح طائفية مغرضة، متى سنعيش في وئام ونرفع الضغائن من بيننا؟! أم أن البقر تشابه فلم نعد نبصر أين المتهم الحقيقي ؟!